من مسيرة التحرير إلى مسيرة البناء: استمرارية العهد بين ملوك المغرب الثلاثة

أخبار وطنية

بقلم : أحمد بومهرود باحث في الإعلام و الصناعة الثقافية

تحلّ ذكرى المسيرة الخضراء المظفّرة كل سنة، فتبعث في النفوس شعورًا بالفخر والعزة، وتستحضر في ذاكرة المغاربة صفحة مشرقة من تاريخهم المجيد، تلك التي تُجسد روح الوحدة الوطنية والإيمان الراسخ بعدالة القضية الترابية للمملكة.
إنها ليست مجرد مسيرة نحو الجنوب، بل مسيرة نحو الكرامة والسيادة، كتبتها أجيال من المغاربة بقيادة ملوك عظام، صاغوا بجهودهم المتواصلة ملحمة وطنية خالدة، امتدت من عهد المقاومة والتحرير، إلى عهد الوفاء والتحرير السلمي، وصولًا إلى عهد البناء والتنمية المستدامة.

  • أولًا: محمد الخامس بطل التحرير وواضع اللبنات الأولى للوحدة

لقد كانت مرحلة حكم جلالة الملك محمد الخامس طيب الله ثراه نقطة البداية في رسم معالم المغرب المستقل والموحد. ففي خضم النضال ضد الاستعمار، ظل جلالته يؤكد أن استقلال المغرب لا يكتمل إلا باسترجاع جميع أقاليمه المغتصبة، بما في ذلك الصحراء المغربية.
ومن خلال مواقفه الوطنية الصلبة ورفضه التخلي عن أي شبر من التراب الوطني، أرسى محمد الخامس الأسس المتينة لعلاقة العرش بالشعب، علاقة مبنية على الإيمان المشترك بوحدة الوطن والتمسك بالهوية المغربية الأصيلة. وقد ترك للأجيال من بعده إرثًا من النضال، ووصية عنوانها “الوحدة أو لا شيء”.

  • ثانيًا: الحسن الثاني مهندس المسيرة ومبدع التحرير السلمي

جاء عهد الملك الحسن الثاني رحمه الله ليُجسّد استمرارية العهد مع الوطن والشعب. ففي السادس من نونبر سنة 1975، أبدع جلالته في تحقيق النصر دون قتال، بإطلاق المسيرة الخضراء المظفرة التي دخلت التاريخ الإنساني كأكبر حشد سلمي في القرن العشرين.
لقد كانت المسيرة الخضراء درسًا للعالم في الحكمة والقيادة، حيث لبّى أكثر من 350 ألف مغربي ومغربية نداء الوطن، حاملين المصحف والعلم الوطني بدل السلاح، مجسدين أسمى معاني الإيمان بالحق والوحدة.
ولم تكن المسيرة مجرد عمل سياسي، بل كانت فعلًا روحيًا وشعبيًا يؤكد أن العرش والشعب جسد واحد، وأن الإرادة المغربية قادرة على تحويل الحلم إلى حقيقة. ومن خلال الحنكة الدبلوماسية لجلالته، استعاد المغرب أقاليمه الجنوبية، وفتح صفحة جديدة في تاريخه الحديث.

  • ثالثًا: محمد السادس ملك البناء والتنمية المتجددة

في عهد جلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده، اكتسبت المسيرة الخضراء بُعدًا جديدًا، هو مسيرة التنمية المستدامة.
فقد جعل جلالته من الأقاليم الجنوبية نموذجًا للتنمية المندمجة، عبر مشاريع استراتيجية كبرى في البنيات التحتية، والموانئ، والطاقات المتجددة، والتعليم، والصناعة.
كما وضع الملك نصب عينيه تثبيت الوحدة الترابية للمملكة في بعدها الدولي، عبر مبادرة الحكم الذاتي التي لاقت ترحيبًا واسعًا من المجتمع الدولي كحلّ عادل وواقعي لقضية الصحراء المغربية.
وهكذا، تحوّلت المسيرة الخضراء من فعل استرجاعي إلى فعل بنائي وتنموي، يؤكد أن تحرير الأرض لا يكتمل إلا بتحرير الإنسان وتنمية قدراته.

  • مسيرة تتجدد بالعهد والوفاء

إن المسيرة الخضراء ليست حدثًا مضى وانتهى، بل قيمة متجددة في وجدان كل مغربي، ورمز خالد لاستمرارية النضال الوطني من جيل إلى جيل.
لقد وحّدت ملوك المغرب الثلاثة حولها: محمد الخامس الذي زرع بذرتها، والحسن الثاني الذي حقق ثمرتها، ومحمد السادس الذي يرعاها بالعمل والبناء.
وبين هؤلاء الملوك الثلاثة خيط ذهبي واحد هو الوفاء للوطن ووحدة التراب المغربي.
ستبقى المسيرة الخضراء إذًا مسيرة أمة بأكملها، تُجدّد في كل ذكرى العهد بين العرش والشعب، وتبعث في النفوس الأمل في مغرب متقدم، موحد، مزدهر، من طنجة إلى الكويرة، تحت القيادة الحكيمة لجلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده.

التعاليق (0)

اترك تعليقاً