agadir24 – أكادير24/أحمد الجبلي
جاء في الفصل 528 من القانون الجنائي: “من عثر على كنز، ولو في ملك له، ولم يخطر به السلطة العامة، في ظرف خمسة عشر يوما من يوم اكتشافه، يعاقب بغرامة من مائتين إلى مائتين وخمسين درهما. أما من عثر على كنز وتملكه، كله أو بعضه، دون أن يصدر له إذن بذلك من الجهة القضائية المختصة، حتى ولو كان قد أخطر به السلطة العامة، فإنه يعاقب بالحبس من شهر إلى ستة أشهر وغرامة من مائتين إلى مائتين وخمسين درهما.”
من خلال هذا الفصل يبدو المشرع وكأنه يقامر ويرهن عملية حصول الدولة سواء على كل ما تحتويه الأرض من كنوز، أو على الخمس عندما يتعلق الأمر بإعلان مواطن عن عثوره لكنز في أرضه، مع عدم إخطار السلطات في الآجال القانونية كما يحددها الفصل المذكور.
وذلك بربطه عملية الحصول على حق الدولة بعملية الإخبار في مدة محددة، وفي حالة عدم الإخطار يعاقب هذا المواطن بغرامة مالية معنوية أكثر منها مادية لهزالة المبلغ أي الحكم بإهانة المواطن حتى ولو كانت له ظروف معينة شغلته عن الإخبار في الآجال القانونية.
إن من طبيعة القوانين السديدة أن تحقق مناطا تشريعيا يحرر الإبداع ويطلق الإسهامات والمشاركة في التنمية والتحفيز على روح التعاون والإنتاجية خدمة للوطن الجامع، لا أن تشجع على الظلامية والعمل السري وإخفاء الحقائق والانفراد بالثروة والكنوز خوفا من قانون مهين يشجع على الكذب وإخفاء الحقائق ولا يشجع على الوضوح والإسهام والتشاركية خدمة للحضارة والتاريخ المغربيين.
ويبقى السؤال الذي وجب طرحه هو ألا يدل هذا القانون على أن المشرع لازال يعيش في الماضي يوم كانت العين الحمراء والعصا الغليظة والقمع والتخويف أيام البصري هي السائدة؟
ألا يعرف العهد الجديد لمولانا أمير المؤمنين الملك محمد السادس حفظه الله عهدا قد أخذ على عاتقه القطيعة مع الماضي فدشنه بتأسيس هيئة الإنصاف والمصالحة، كرسالة تدل على طبيعة الدولة الحديثة المنفتحة والمعتمدة أساسا على التشاركية والجهوية الموسعة استثمارا لجميع الطاقات المغربية لتسهم في تنمية البلاد؟
من المؤسف أن نجد الكثير من القطاعات الحيوية في بلادنا لازالت تشتغل بقوانين الاستعمار، وحتى القانون الجنائي نفسه ظل يزخر ببعضها حين وضع سنة 1962، واستمر الحال على ما هو عليه حتى الآن.
ولازال المغاربة ينتظرون متى تتم المصادقة على مشروع القانون الجنائي الجديد بعدما أحالته الحكومة بتاريخ 9 يناير 2025 على البرلمان، وإن كانت التسريبات تقول بأنه سيعرف أكبر عملية تعديل والذي سيطال أزيد من 420 مادة.
قبل التعديلات، نرجو أن يأخذ المشرع بعين الاعتبار التحولات الكبرى التي عرفتها بلادنا في تعاطيها مع عملية اللقى والمسكوكات والتحف الفنية والتاريخية، حيث تم الترخيص لأزيد من 14 جمعية والتي تضم في صفوفها مائات الآلاف من الباحثين والكشافين، وتسن قوانين تحفيزية تقوم على الشفافية والوضوح وتبنى على الثقة من أجل إراز معالم الحضارة المغربية وإثراء المتاحف بما لا يخطر على البال من مسكوكات وتحف وآثار نادرة تسهم في إبراز الوجه الحضاري المغربي العريق الضارب في أعماق التاريخ.
إن الاستمرار بتطبيق الفصل 528 من القانون الجنائي لا يخدم المتاحف المغربية في شيء كما لا يخدم التجليات الحضارية المغربية التاريخية التي يأتيها السائح من كل أسقاع العالم حتى وهي محتشمة وقليلة، فكيف يكون الأمر لو أطلق العنان للباحثين والكشافة ورصدت لهم مكافآت تشجيعية وتحفيزية على المزيد من التنقيب والبحث وإبراز مازالت الأرض المغربية تخفيه من آثار وتحف ومسكوكات ملل ونحل وحضارات تعاقبت على وطننا الحبيب.
كما لا ننفي أن الفصل 528 المذكور أعلاه سيكون مجديا وسديدا إذا تم تغييره أو تعديله بما يزيد من تضييق الخناق على المشعودين والسحرة وسفاكي دماء الأبرياء صائدي الكنوز. تطهيرا واستئصالا لأي عمل غير قانوني ويتم في أماكن مقدسة وأزمنة مشبوهة.
التعاليق (0)