الرقمنة: سبيل لمحاربة الرشوة

الرقمنة العلوم والتكنولوجيا

تعد الرشوة من الافات التي تضر بالوطن و تعيق حركة التنمية و تنفر الاستثمارات. رغم الجهود الكبيرة التي تقوم بها الدولة، فإن مشكلة الرشوة لازالت تتفاقم، فقد صنفت منظمة الشفافية الدولية المغرب في الرتبة 94 عالميا ب 38 نقطة سنة 2022 اي بتراجع نقطة واحدة عن السنة السابقة. فرغم اللافتات التي تملأ الادارات و رغم وجود الرقم الاخضر للتبليغ عن المرتشين، الذي سجل مائة بلاغ في اليوم الواحد السنة الماضية، الا ان الوضع في تدهور مستمر.

الواقع ان فهم الرشوة يتعلق بفهم عقلية المرتشي اولا. و لنأخذ مثال عبد الولى الموظف في احدى الادارات و الذي يتقاضى 7000 درهم في الشهر. فعبد المولى يأكل لوحده وجبتين في المطاعم و يدخن علبتي سجائر في اليوم، و يكاد راتبه الضعيف الذي وافق عليه حينما توظف اول مرة لا يغطي تلك النفقات اليومية. زد على هذا اقساط شقته في وسط المدينة بأثاثها الغالي و سيارة زوجته التي يدفعها كل شهر. دون ان ننسى ان ابناء عبد المولى يدرسون في مدارس خاصة باهضة التكاليف، لايمانه بفشل المنظومة التعليمية في السلك العمومي. ثم ان عبد المولى يحتاج الى وقود لسيارته و الى مأكل و مشرب و نفقات يومية، و كذلك حاجته الى اجازة لمدة شهر في كل سنة.

مع كل هذه النفقات، يحتاج عبد المولى المسكين الى اربعة او خمسة اضعاف راتبه، فلن يجدها الا في جيوب المواطنين، فهم يدفعون تلك الهدايا برضاهم لعبد المولى مقابل الحصول على الوثائق المطلوبة في الوقت المحدد. و ان اي محاولة لصد عبد المولى عن اخذ تلك الاموال هي اعلان حرب و سيتحوله من موظف هادىء الى وحش مفترس. ان حل الاقناع لن يجدي معه شيئا و حتى آليات العقاب و ربط المسؤولية بالمحاسبة لا تزال ضعيفة جدا و لا يمكن عمليا تطبيقها لكثرة امثال عبد المولى في الادارات العمومية.

فالافضل ان لا يلتقي عبد المولى بالمواطنين حتى لا تثور غرائزه برؤيتهم، و هنا تبدو اهمية الحل السحري الذي تقدمه الرقمنة. فلم يعد المواطن مضطرا لزيارة عبد المولى و لكنه يستطيع بكبسة زر ان يطلب وثائقه عبر البوابات المخصصة لهذا الغرض و الحصول على نسخ إلكترونية منها.

و الى حين تعميم الرقمنة على جميع الوثائق، فلابد للمواطن ان يتعايش مع عبد المولى، و مع التطور الكبير للذكاء الاصطناعي، فلعلنا نرى توظيف روبوتات في الادارات العمومية، فعلى الاقل، هي لا تملك حاجيات عبد المولى و لا تحتاج الا للبرمجة و الشحن، هذا اذا لم يتول عبد المولى بنفسه برمجتها !

التعاليق (0)

اترك تعليقاً