31 أكتوبر 2025… يوم يجني فيه المغرب ثمار الدبلوماسية الملكية السديدة

أخبار وطنية

بقلم : أحمد بومهرود باحث في الإعلام و الصناعة الثقافية

  • لحظة تاريخية تتشكل

في التاريخ السياسي للأمم، هناك أيام لا تُنسى، لأنها لا تمثل حدثًا عابرًا، بل تتويجًا لمسار طويل من النضال والعمل الدبلوماسي الهادئ.
يوم 31 أكتوبر 2025 يبدو مرشحًا ليكون أحد هذه الأيام في مسار القضية الوطنية، إذ تتجه الأنظار إلى إمكانية تحرير المغاربة المحتجزين في مخيمات تندوف وفتح صفحة جديدة في هذا الملف الإنساني والسياسي الذي عمر أكثر من نصف قرن.
إنه يوم لا يرمز فقط إلى نهاية معاناة آلاف الأسر المغربية التي فُصلت قسرًا عن ذويها، بل يمثل أيضًا انتصارًا لنهج الدبلوماسية الملكية السديدة التي قادها جلالة الملك محمد السادس، بثبات وحكمة، حتى غدت قضية الصحراء المغربية تحظى باعتراف دولي متزايد وتأييد أممي متنامٍ لمبادرة الحكم الذاتي.

  • أولاً: خمسون عامًا من الاحتجاز والمعاناة

منذ سبعينيات القرن الماضي، تحوّلت مخيمات تندوف في الجنوب الغربي الجزائري إلى مسرح لمعاناة إنسانية قاسية.
آلاف المغاربة وجدوا أنفسهم محتجزين في ظروف غير إنسانية، محرومين من أبسط حقوقهم في التنقل والتعبير والعودة إلى وطنهم الأم.
تقارير المنظمات الحقوقية الدولية طالما نبهت إلى هذه الأوضاع، حيث تغيب سجلات رسمية للاجئين، وتُستغل المساعدات الإنسانية، ويُمنع مراقبو الأمم المتحدة من الوصول الكامل إلى المخيمات.
لقد أصبحت هذه المخيمات رمزًا لملف سياسي مُجمّد، تديره جبهة البوليساريو بدعم مباشر من النظام الجزائري، الذي جعل من هذا الملف ورقة ضغط دائمة ضد المغرب. غير أن المعادلة بدأت تتغير جذريًا خلال العقد الأخير.

  • ثانيًا: الدبلوماسية الملكية.. من الدفاع إلى المبادرة

منذ اعتلاء جلالة الملك محمد السادس العرش، تبنى المغرب مقاربة دبلوماسية جديدة قائمة على الواقعية والنجاعة، هدفها تحويل ملف الصحراء من نزاع مفتوح إلى مشروع تنموي وطني متكامل.
كانت مبادرة الحكم الذاتي التي قدمها المغرب سنة 2007 نقطة التحول المفصلية؛ إذ وصفتها الأمم المتحدة وعدد من الدول الكبرى بأنها «جدية وذات مصداقية».

  • ثم جاءت التحركات الملكية المتتالية لتكرّس هذا التوجه:

العودة إلى الاتحاد الإفريقي بعد غياب دام ثلاثة عقود، وفرض حضور مغربي مؤثر في القارة.
فتح قنصليات لأكثر من 30 دولة إفريقية وعربية في مدينتي العيون والداخلة.

  • الموقف الأمريكي الداعم لسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية.

وأخيرًا، تراجع الدعم الدولي للبوليساريو وانكشاف هشاشة أطروحتها الانفصالية.
كل هذه التطورات جعلت الجزائر تجد نفسها معزولة سياسيًا، ومضطرة لمراجعة حساباتها، خصوصًا مع تزايد الضغوط الأممية بشأن وضعية المخيمات وحقوق سكانها.

  • ثالثًا: لحظة الحقيقة ، تندوف أمام مفترق الطريق

اليوم، مع اقتراب 31 أكتوبر 2025، يبدو أن الملف الإنساني للمحتجزين في طريقه إلى انفراج تاريخي.
تُشير المعطيات الدبلوماسية المتواترة إلى تحركات مكثفة بين الأمم المتحدة والمغرب وعدد من الدول الصديقة، لإيجاد صيغة عملية تتيح عودة المغاربة المحتجزين إلى وطنهم.
إن تحقق ذلك، فسيكون ضربة موجعة لأطروحة الانفصال، وانتصارًا للقيم الإنسانية والروابط العائلية التي لا يمكن أن تُمحى مهما طال الزمن.
سيجد النظام الجزائري نفسه أمام واقع جديد: مواجهة مسؤولية مخيمات صنعها واحتضنها طيلة نصف قرن، دون أي أساس قانوني أو إنساني.

  • رابعًا: النتائج المتوقعة ، من طيّ الملف إلى ترسيخ الاستقرار

تحرير المغاربة المحتجزين في تندوف لن يكون مجرد حدث رمزي، بل خطوة استراتيجية تُترجم على عدة مستويات:

  1. إنسانيًا: إنهاء مأساة آلاف الأسر المغربية التي عاشت بين الأمل والانتظار، وفتح الباب أمام لمّ الشمل بعد سنوات من الفراق.
  2. سياسيًا: إنهاء آخر مظاهر الابتزاز في ملف الصحراء المغربية، وتحويل النقاش الدولي من “نزاع إقليمي” إلى “نجاح وطني”.
  3. دبلوماسيًا: تتويج للرؤية الملكية التي راهنت على العمل الهادئ، والشرعية الدولية، والاقتراب الواقعي من الحل، بدل الصدام والشعارات.
  4. إقليميًا: تعزيز الاستقرار في المنطقة المغاربية، وتقليص مساحة التوتر الدائم بين الرباط والجزائر، إذا ما اختارت الأخيرة التعقل والتعاون.
  • خامسًا: مغرب اليوم.. فاعل واثق ومبادر

لقد تغيّر موقع المغرب في المشهدين الإفريقي والدولي. لم يعد ذلك البلد الذي يُدافع عن قضيته فحسب، بل أصبح شريكًا في صناعة الحلول، سواء في مجال الأمن، أو الهجرة، أو التنمية.
وتزامنًا مع هذا التحول، جاءت الدبلوماسية الملكية لتمنح القضية الوطنية نفسًا جديدًا قوامه الشرعية، والتنمية، والتضامن الإنساني.
إن نجاح المغرب في طي ملف تندوف سيُعزز مكانته كقوة إقليمية رائدة، ويؤكد أن الصبر الدبلوماسي والرؤية الاستراتيجية أقوى من المناورات الظرفية والخصومات القديمة.

  • خاتمة: يوم يؤرخ لبداية جديدة

سيبقى 31 أكتوبر 2025 يومًا مؤرخًا في سجل المملكة المغربية، ليس فقط لأنه أغلق صفحة مؤلمة، بل لأنه فتح صفحة مشرقة عنوانها الانتصار بالشرعية والحكمة.
سيُسجَّل في الذاكرة أنه اليوم الذي عاد فيه أبناء الوطن إلى حضن وطنهم، وأن المغرب جنى ثمار دبلوماسيةٍ ملكيةٍ سديدةٍ صاغت النصر بالحكمة، لا بالضجيج.