ليس لدى بلدي مستوى القدرات العلمية الصينية لوأد “كورونا”.. أو حتّى سرعة استنهاض اقتصادها بعد هذه الأزمة ، لكننا أثبتنا على الأقل، أننا دولة وأمة قادرة على المواجهة والمقاومة عبر سنْ سياسة تدبيرية استباقية أكثر من إيطاليا وفرنسا واسبانيا وحتى الولايات المتحدة الأميركية، واتخاذ جملة من القرارات في الحكومة ووزارة الصحة وفق أقصى المتيسر؛ آخرها قرار بدء حالة الطوارئ الصحية عشية يومه.. بالرّغم من أن الوضع الوبائي بالبلد ما زال تحت السيطرة حسب مسؤولينا الحكوميين
ويتابع أغلبية المراقبين وخبراء الصّحية العالمية هذه التجربة الوقائية للمغرب بالكثير من الاستحسان والتفاؤل بنتائجها الايجابية مستقبلاً.. وذلك راجع إلى سرعة اتخاذ القرار والحسم في طرفي المعادلة بين الاقتصاد والإنتاج وبين أرواح البشر والعباد.. حدّ أن تحوْل إلى رمز وعنوان رائج في الصحف العالمية… ( المغرب فضّل شعبه.. على اقتصاده)… ليتميّز هذا البلد من جديد وسط هذا الوباء العالمي ويؤسس لنفسه مجداً حضاريا لأجيالنا القادمة قوامها هذه التعبئة المجتمعية قيادة وشعبا وبحسّ تضامنيّ.. ملحميّ رفيع اندمج فيه الجميع بقيادة عاهل البلاد إلى آخر أجير أو مستخدم.. بفضله تأسس وبسرعة قياسية صندوقا لجبر كل الانعكاسات الاقتصادية و الاجتماعية التي ستخلفها هذه الأزمة الوبائية..
ونحن جميعا في ضخمّ هذه التعبئة الجماعية والمجتمعية للشعب المغربي قاطبة..ووسط تجنيد كل مقدرات البلد الإستشفائية والعلاجية..في طليعتها الأطقم الطبية والتمريضية وخبراء الصحة… تصطدم حدّ الجنون بمواقف ومطالب أنانية مصلحية ضيقة تغرْد خارج هذا النفس التعبويّ العام.. وأنت تطلع على بلاغ صادر على بعض المستثمرين في ميدان التعليم يطالبون الدولة بالاستفاذة من هذا الصندوق حتّى قبل أن يبدأ.. بدون حياء ولا خجل..ولا مروءة.. وهو في عمقه تدبير استباقي لما بعد مرحلة ( كورونا) و بلغتنا المحكية ( حْنَا هْنَا.. متنساوناش… حْنَا الأولين.).. معتمدين في ذلك على أهمية دورهم وتضحياتهم ومساهمتهم في تعليم النشء.. وأنت تقارن بين هؤلاء الاباطرة.. وعموم الشغيلة في بعض القطاعات التى توقفت بشكل نهائي جراء هذه الأزمة كقطاع السياحة واللوجيستيك والطيران وقطاعات موازية وغيرها.. تتذكر عمال ومستخدمي المقاهي والحمامات والمصبنات وغيرها الذين يعيشون على اليومي.. تتذكر المياومين والعطاشا ومثليهم من النساء في المدن والقرى.. ومدى صبرهم وانخراطهم في الانضباط لهذا الحجر الصحي التطوعي وهم لا يعتمدون إلاّ على رزقهم اليومي الذي أصبح واقفا جراء حالة الطوارئ الصحية..
تتذكر كل وأنت تعود إلى هذا البلاغ ( لا يقبل الاعتذار أثناء الحرب) وبأسلوبه الابتزازي في اتجاه الدولة من جهة والاستفزازي لمشاعرنا جميعا ونحن نضع الوطن ومستقبله نصب أعيننا من جهة ثانية..
إن التاريخ سيصنّف هذا البلاغ ضمن وثائق شاهدة على طابور خامس اهتمّ بجيبه وبطنه وسط أمة بقيادتها وشعبها كلها معبأة في خندق واحدٍ لمحاربة هذا الوباء مع بقية شعوب العالم..
سيجّل التاريخ أيضاً أن هذا البلاغ وبما يحمل من قلّة احترام لعاهل البلاد وعمقه الإنساني على شعبه وخاصة الفئات الهشة.. باعتباره المؤسس والمساهم الأوّل لصندوق الدعم..
قلة تقدير لكل أثريائنا الوطنيين.. لكل مؤسساتنا المساهمة المدنية والعسكرية..
إهانة وتحقير لجنودنا المرابطة على الثخوم بعيدين على أهلهم وأبنائهم لحظة هذه الأزمة..
نفس الشئ لأطقمنا الطبية والتمريضية المجندة في مواجهة هذا الوباء تضحية منهم.
أيضاً تبخيس لكل العاملين في هذه الظروف الصعبة من رجال الوقايةالمدنية والسلطات المحلية و الحضرية وإلى كل مساهم في توفير شروط الأمن والآمان..
فيه أيضا تحقير لكل فئاتنا الاجتماعية الصابرة على ضنك العيش….
مصداقا لقوله تعالى..
” وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ ۗ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ.. الآية
للأسف سيجّل التاريخ أنْ هناك من هم خارج منطوق هذه الآية الكريمة…
وسيجلُ أيضا بالكثير من الاعتزاز والافتخار موقف كل الوطنيّين الصادقين.. الطيبين المرابطين وقت الأزمات والحروب..
كأمة هذا البلد قيادة وشعباً…
غير ذلك فزبناء مزبلة التاريخ لا يخرجون عن خانة تجار الأزمات.. كامتداد لتجار طبيعيّ الحروب..نقطة والعودة إلى البلد والحلقة الثالثة
يوسف غريب