يواصل النفط العالمي الهبوط لليوم الثلاثاء 19 غشت 2025، مقتربًا من 66–67 دولارًا لبرميل برنت ونحو 63 دولارًا لغرب تكساس، تحت تأثير أفق تهدئة جيوسياسية ومباحثات تخصّ الحرب في أوكرانيا. ومع ذلك، لا يشعر المستهلك المغربي بتراجع مماثل عند المضخة. لا يعني هذا تبرير الغلاء، بل يستدعي شرحًا منصفًا لِمَ تتّسم الأسعار محليًا ببطءٍ في الاستجابة، مع وضع حقيقة بنيوية على الطاولة: كلفة غياب التكرير المحلي بعد توقّف مصفاة «سامير».
يبدأ الفارق من طبيعة ما نستورد. المغرب لا يشتري خام برنت ليكرّره محليًا، بل يقتني مشتقاتٍ مكرّرة (ديزل/بنزين) تُسعَّر عالميًا وفق مؤشرات لأسعار المنتج النهائي (CIF: ثمن + شحن + تأمين). قد يهبط خام النفط، بينما تظل هوامش التكرير أو أسعار المشتقات مرتفعة نسبيًا بفعل عرض المصافي وطلب المواسم، فتبدو «ترجمة» الانخفاض إلى ثمن اللتر محدودة.
يضاف إلى ذلك الضرائب (الضريبة الداخلية على الاستهلاك والضريبة على القيمة المضافة) التي تشكّل كتلةً ثابتة/نسبية من السعر، فتقلّص أثر أي هبوط في الكلفة الخارجية. ثم يأتي سعر الصرف: الفاتورة تُدفع بالدولار، وأي صعود في USD/MAD يمتصّ جزءًا من مكاسب انخفاض البرميل.
وهناك أخيرًا زمنٌ فاصل طبيعي: الوقود الذي يُباع اليوم غالبًا ما شُري قبل أسابيع بأسعار أعلى، كما أن تسعير الشركات يجري بدورات قصيرة (غالبًا نصف شهرية)، فيظهر الأثر على مراحل لا دفعةً واحدة.
لكن الصورة تظل ناقصة من دون معالجة العامل البنيوي الأهم: إغلاق مصفاة «سامير» منذ صيف 2015. دراسةٌ علمية منشورة في Scientific Africa (عدد يوليوز 2023) قدّرت خسائر الاقتصاد المغربي بنحو 66.5 مليار درهم جرّاء الإغلاق، بما يعادل 4.4% من الناتج الداخلي و1.7% من القيمة المضافة. تأسست المصفاة سنة 1959 قرب ميناء المحمدية، وكانت تنتج قرابة 150 ألف برميل يوميًا وفق معطيات الدراسة، ما وفّر لعقودٍ بديلًا محليًا للتكرير ودعامةً للأمن الطاقي. بعد تراكم ديونٍ فاقت 40 مليار درهم، صدر في 2016 حكمٌ بالتصفية القضائية وبقي الملف عالقًا، لتنتقل البلاد إلى استيراد حاجياتها مكرّرةً بالكامل، فتتعرّض مباشرةً لتقلبات أسواق المنتجات والعملة والشحن.
تكشف الدراسة كذلك أثرًا جهويًا واسعًا: الدار البيضاء–سطات كانت الأكثر تضررًا اقتصاديًا بانخفاض في الناتج بنحو 9.2%، تلتها بني ملال–خنيفرة بـ 6.6%، مع تأثيراتٍ في الرباط–سلا–القنيطرة ومراكش–آسفي عبر التجارة والنقل والأنشطة المالية والعقارات والصناعات التحويلية.
وتعرضت صناعة التعدين لخسارةٍ كبيرة تُناهز 11.3 مليار درهم من القيمة المضافة و14.3 مليار درهم من الناتج الإجمالي. صحيحٌ أن التكرير مصدرٌ لانبعاثات الغازات الدفيئة، وقد قدّر الباحثون انخفاضًا وطنيًا بنحو 2.1% (حوالي 1.17 مليون طن) بعد توقف «سامير»، لكن ثمن الاعتماد الكلي على الاستيراد كان مرتفعًا في المرونة السعرية والأثر الاقتصادي المحلي.
هكذا تتضح المفارقة: عندما يهبط النفط عالميًا، تمرّ الإشارة عبر سلسلةٍ محلية معقّدة—منتجٌ مكرّر لا خام، ضرائبٌ ثابتة/نسبية، صرف الدولار، مخزونٌ تسعِّره عقود سابقة، وهوامش لوجستية وتجارية—فتصل إلى المستهلك أبطأ وأصغر من العناوين الدولية. وحين نفتقد قدرةً وطنية على التكرير، نفقد معها أداةً إضافية لتدبير الصدمات وتنعيم الأسعار.
الإنصاف يقتضي أيضًا الإشارة إلى ما يمكن فعله. على المدى القصير، تساعد الشفافية الدورية في تفكيك السعر (كلفة الاستيراد المرجعية للمشتقات، الشحن والتأمين، سعر الصرف، الضرائب، الهوامش) كي يعرف المواطن أين يذهب كل درهم من ثمن اللتر.
ويمكن للحكومة والفاعلين دراسة أدوات التحوّط من تقلبات النفط والدولار، وتحسين الإفصاح عن دورات المراجعة ووتيرتها. وعلى المدى المتوسط، يبقى الحسم في ملف التكرير الوطني—سواء بإحياء المصفاة وفق شروط حكامة وبيئة واضحة، أو باعتماد ترتيبات صناعية/تجارية بديلة تخفّف هشاشة الإمداد—مسألة أمنٍ طاقي لا مجرد خيارٍ صناعي.
لا يبرّر هذا التحليل أي معاناة يعيشها المواطن مع غلاء الوقود؛ بل يضعها في سياقها الحقيقي: سوقٌ عالمي متقلّب، منظومةُ تسعيرٍ محليةٌ مركّبة، وفجوةٌ بنيوية خلّفها توقف التكرير.
وحين تستقر الأسعار الدولية على مسارٍ هابط لفترةٍ معقولة، فإن الانخفاض يتسلّل تدريجيًا إلى المضخة. أما الثقة، فتُبنى عندما تتوافر المعطيات الكاملة ويُشرح للمستهلك سبب تأخر الانعكاس ومتى يُنتظر حدوثه، وحين يُعلَن بوضوح: متى نُخطئ نصحّح، ومتى نمتلك قرارًا صناعيًا نستعيد جزءًا من التحكم في فاتورة الطاقة… وفي سعر اللتر الذي يمسّ جيب كل أسرة.