آخرهم عميد الفريق.. وبين يديه شعار المملكة يحاول أن يغطي به رأس طفل بعد أن لفّ جسمه النحيف داخل قميص المنتخب.. والحكم الرابع يتابع هذا الدفء الإنساني بملامح التقدير والإمتنان كما هي ابتسامته التي تقاطعت بشكل مذهل مع صوت مغربي أصيل يذّكر هذا الحكم وعموم الجمهور العالمي بأنّ صنّاع هذا المشهد الإنساني هم أبناء منبث الأحرار ومشرق الأنوار.. بل نشهد العالم بأن هنا نحيي بشعارنا الخالد : الله الوطن الملك..
بهذا المشهد القوي والمفعم بالكثير من الفخر والإعتزاز نحن أبناء هذا الوطن افتتحت فعاليات الحفل الإختتامي لبطولة كأس العرب 25 بدولة قطر الذي كان منتخبنا الوطني الثالث أحد المنافسين على الظفر بالكأس.. ضد الفريق الأردني تحت قيادة مدرب مغربي تقاسم معنا ترديد النشيد الوطني ومن معه من الأطراف المغربية داخل أطقم منتخب النشامى كما يلقّب..
هكذا كانت البداية.. وببصمة مغربية ذات حمولة أخلاقيّة عالية من القفطان المغربي حتى صفارة الحكم التي توّجت الأسود بالذهب مرة أخرى بعد شهرين فقط بمنصة الشيلي..
ولم تخرج النهاية عن هذه القاعدة..
فالأسود.. والمغاربة عموما.. حين ننتصر نزداد تواضعاً أكثر.. ونواسي المنافس بروح إنسانية صادقة..
هي اليد الطاهرة لمدربنا الوطني طارق السكتيوي التي ترجمت هذا السّمو الأخلاقي.. واختتمت به أيادي منتخبنا الذين غطّوا أبدان الأطفال وقاية من البرد والشتاء..
هي قيادة أخلاقية وسط العرب هناك قبل كل شيء..
وحين تترك أيادينا الممدودة للتحية والسلام دون ردّ.. لا نغضب.. بل نشفق على من أخطأت التربية الطريق إليه.
وحين نمدّها بروح المنتصر نحو المنهزم فإنّ الصورة أبلغ من تتويج عابر نحو الإنتصار للمشترك الإنساني..
هي تربية الأسود والملوك..
وما يضر الأسد.. صراخ بعوضة..
وكم يعاب على الأسد ان يصارع حشرة.
هي خلاصة ما وقع هناك بجانب منصة التتويج..
والأكثر ان الامر ليس موقفا فرديّاً كما يحاول البعض تبرير ذلك.. بل هو سلوك شبه جماعي ومتعمد خاصة بعد حركة مدربنا الخلوق وهو يحاول تنبيه اللاعب الثاني برد التحية..
سلوك لا يتماشى مع لقب النشامى كوصف للشجاعة والمروءة والأخلاق..
وأي سكوت عن الاتحاد الأردني لكرة القدم عن هذا السلوك الارعن المسيء للمملكة الاردنية وشعبها الطيب دون إصدار بيان الإعتذار لنا في شخص مدربنا الوطني وتوبيخ لهؤلاء الأجلاف.. فسيبقى الحدث وصمة عار ونقطة سوداء في سجل تاريخ هذا المنتخب الأردني الذي رفض رد التحية على اليد المغربية التي صنعت سمعته الآن.. وأهلته للعالمية ووصيف كأس العرب.. وآسيا.. بعد أن كان إنساً منسيّا.
لماذا تقطعون اليد التي أكرمتكم..
أما يد بطلنا طارق السكتيوي فهي امتداد طبيعيّ ليد عاهل البلاد للجيران وغيره.. وبروح المنتصر أيضا كما في خطابه الأخير شفاه الله وعافاه…
وإذا كانت النهايات أخلاقيات كما عند الفقهاء..
فإن ما وقع لحظة التتويج لم يكن إلا نتيجة لتلك النرجسية المرضية التي كانت بعض المنصات ومجالس المتابعة لمختلف المباريات بين الدول العربية.. بدءا بلغة التفاضل بين عرب آسيا وعرب أفريقيا.. بخلق تكتلات مناطقية جغرافية مما يضرب في العمق مبدأ التواصل والإخاء بين شعوب جامعة الدول العربية..
بل يعزز نعرة التفرقة بإعادة ترتيب الهويّات..
بل إن البطولة غيرت شعارها ب ( هاتو المغرب) وأصبح الحلم هو الإنتصار عليه.. بعد أن تعرض للتشكيك والتصغير من طرف نكرات إعلامية..
وحتّى التعليق على مقابلة النهائي كان منحازاً في وصفه لأشواط المقابلة..
كان الجو مشحونا منذ البداية..
وكانت النهاية أسوأ.. لأنها تضرب عمق وفلسفة ورح البطولة نفسها.. وتعدم سردية الإخاء والتضامن بين الشعوب العربية بين قوسين..
نعم رفعنا الكأس
وتركنا هناك بقطر 2.. بعض الدروس الاخلاقية..
بدايتها التواضع.. وآخرها الصمت
صمت مملكة تعرف أن اللعبة لا تكافئ من يصرخ كثيراً
بل من يصبر طويلا.
تؤمن بأن كرة القدم ليست ترفاً بل لغة عالميّة تعزز النفوذ بهدوء.. بعيداً عن البهرجة والاضواء
وتركنا أيضاً
هاتو المغرب..
وجاء المغرب الذي لا يذكر كقصة جميلة تروى..
بل كنمودج يقلّد..
هو بناء سمعة مملكة ترفع تاج السمو الأخلاقي والسلوك المدني الحضاري قبل أي كأس عابر..
وهي نفس السمعة التي أزعجت بعض البدو العربان هناك
يوسف غريب كاتب صحفي
