أكادير والجهات

مهرجانات سوس تحت المجهر


بقلم .سعيد حنين
زار اللاعب الأرجنتيني الراحل ” دييغو مارادونا” سنة 2004 ، الفاتيكان وجلس معه البابا يحدثه عن جهود الكنيسة في محاربة الفقر في العالم، وأعين الأسطورة الأرجنتيني تحدق إلى السقف المذهب للقاعة فقال مارادونا بصراحته المزعجة ” تبا بيعوا السقف وأطعموا الفقراء” .
هذا الحدث أثار في ذهني متناقضات مهولة يعيشها بلدنا الحبيب ودفعني الى الكتابة عن تلكم ” التخمة” التي تعاني منها مهرجانات سوس الصيفية إذ سجلت الأقاليم والمدن والدواوير السوسية أرقاما قياسية في عدد المهرجانات الفنية والثقافية للسنة الخامسة تواليا، مخلفة تساؤلات ونقاشا بين مؤيد ومتحفظ ورافض.
سأحاول في هذا المقال قدر المستطاع تشريح المسألة بموضوعية في أبعادها اقتصاديا وثقافيا وتنمويا.
فلا يمكن أن ينكر أحد دور هذه المهرجانات وايجابياتها في الجوانب الاقتصادية والإجتماعية والثقافية إذ تخلق رواجا اقتصاديا للمنطقة وتفتح متنفسا للفنانين خاصة المغنيين ولبعض المهن الموازية التي تعاني من الكساد معظم أيام السنة، كما تعتبر جسرا لصلة الرحم بين أبناء تلك المناطق الذين يأتون من كل فج عميق بحثا عن لقمة العيش، ناهيكم عن الإشعاع الثقافي والترويج للثراث المادي واللامادي لكل منطقة الخ…
لكن خلف الأضواء المزكرشة و فوق المنصات، تترآى غابة من المتناقضات والمفارقات، أحاول إجمالها فيما يلي:
أولا : معظم هذه المهرجانات تنظم تحت شعارات براقة، ومرتبطة بالتنمية لكن ذلك لايتجاوز كتابتها بحروف منمقة، إذ سرعان ما يستفيق سكان تلك المناطق والدواوير بعد تفكيك المنصات على ذلكم الصراع الأزلي مع الفقر وقهر الزمان والبحث عن الماء والحطب. في لوحة تصور لنا مغرب المتناقضات في أبشع صورها، ومن المفارقات الغريبة العجيبة، وحسب إطلاعي أن سبع مهرجانات على الأقل كانت تحمل شعارات حول المهاجر بمعنى أدق المغاربة الذين يضخون العملة الصعبة في شرايين البلد في حين أن سنة 2025 سجلت أرقاما هزيلة إن مالا يقل عن يشعل نيرانها التنافس بين الجماعات المحلية عبر جمعيات تأسس معظمها بهدف ريعي لتلميع صورتها أو لنيل حضوة مخزنية أو التسخينات المسرحية للانتخابات.

ثانيا: في بعض الدواوير والقرى تقام مهرجانات بملايين الدراهم في غياب ابسط شروط العيش الكريم كالماء الصالح للشرب والمدارس والمسالك الطرقية، فنختزل بذلك التنمية في الشق الثقافي الترفيهي أو الترويج لمنتجات محلية ضاربين عرض الحائط أهم ركائز التنمية وهي الصحة والتعليم، بل والأدهى عندما نسمع فاجعة اطفال تعرضوا للسعات العقارب والأفاعي سرعان ما يختطفهم الموت وهم في طريقهم إلى المستشفيات بالمدن الكبرى بسبب انتمائهم للمغرب العميق الغير النافع
ولغياب الأمصال المضادة للسم في المراكز الصحية النائية اليتيمة .ولأن المغرب بلد الاستثناءات، فإن بلدنا الحبيب في علاقته بالتنمية أشبه بسيارة مهترئة تجدد صباغتها الخارجية كل سنة فنسقط في قلب الأولويات في التنمية رأسا على عقب ؛ نقدم المؤخر ونؤخر المقدم، بل نهمل ما هو أولى وما ينبغي أن تصرف فيه الأموال الباهضة التي تقام بها تلك المهرجانات من صحة وتعليم وبنى تحتية

ثالثا: إن الدعم الحقيقي للفنان لايتم فقط عبر إشراك الجميع في تلك المهرجانات على كثرتها وليس بطريقة ” فات إ ويلي إشان أداغ شين”
لأن هذه المشاركات لاتحكمها معايير فنية وموضوعية بل يطغى عليها نوع من المحسوبية والعلاقات والتركيز على الفنانين الذين يمتلكون جمهورا واسعا يرافق ذلك إشراك محتشم لفنانين من “الدرجة ” الثانية والثالثة الخ..، كما صرح لي بذلك بعض الأصدقاء الفنانين ومن خلال تتبعي للأمر عن كثب
ما أن تنفض تلك الجموع حتى يعود الفنان لذلك الصراع الأبدي مع ” دواير الزمان” بدءََ بتجديد بطاقة الفنان والأكثر هنا ظلما أصحاب الحقوق المجاورة من كتاب الكلمات والملحنين والزيارة الماراطونية للجمعيات و الإدارات للحصول على التغطية الصحية وانتظار موافقة وزارة الثقافة على مشروع فني ثقافي تتداخل فيه عوامل مرئية وأخرى هلامية، ويعتبر الروايس ” الصغار” أشد الفئات معاناة ، فيضطرون إلى العودة ” الموقف” ( بسكون فوق القاف) في انتظار ” لقجة” هنا أو هناك ومنهم من يعود إلى التجوال والتسول بين مقاهي وأقواس سوق الثلاثاء بإنزكان.

رابعا: لا يستبعد أن يكون الإنفاق السخي على المهرجانات من طرف الدولة عبر الجماعات المحلية و المؤسسات الأخرى وبعض الجمعيات التي لا يعرف منها إلا الإسم، سياسة لصرف النظر عما يعانيه المغرب عامة و المناطق السوسية من هشاشة وغياب العدالة المجالية، وهي التي لم تشف بعض مناطقها بعد من آثار الزلزال ، واستفحال ظاهرة الرعي الجائر وآخرها خلق محميات ومنتزهات عبر الترامي على أراض وربما تفويتها لبعض المتنفدين وأصحاب رؤوس الأموال من الخليج والصهاينة ليمارسوا نزواتهم في صيد وإبادة الثروة الحيوانية ولاطلاعهم على ماتختزنه من ثروات، نصيب القرى والدواوير المجاورة ،استنزاف الفرشة المائية

خامسا: إن التنمية الحقيقية لن تتم إلا عبر إرادة سياسية حقيقية و توزيع عادل لثروات تختزنها تلك المناطق من الذهب والفضة والنحاس وإعادة ترتيب الأولويات .فلو قمنا بعملية حسابية للملايير التي صرفت على تلك المهرجانات وقارناها بالمكاسب فينتكتشف هدرا زمنيا وماليا مهولين ضيعنا بهما سنوات في ركب التنمية الحقيقية اقتصاديا واجتماعيا وإنسانيا
فهل يكون المواطن السوسي في مستوى الوعي بهذه المتناقضات والمفارقات ام أننا سنستمر في التواطؤ المقصود الذي يغذيه الريع او غير المقصود بغياب الوعي الحقيقي للظاهرة ونعيش في مدلهمات ” اش خصك ا لعريان …” مجازا
فلخكن إ لهنا د وافولكي
في رعاية الله

التعاليق (0)

اترك تعليقاً