بقلم: أحمد بومهرود باحث في الإعلام و الصناعة الثقافية
لم تكن الأمطار الغزيرة التي هطلت على عدد من المدن المغربية خلال مباريات كأس أمم أفريقيا مجرد ظاهرة مناخية عابرة، بل تحوّلت إلى اختبار حقيقي للطبيعة، وامتحان ميداني لقدرة البنية التحتية الرياضية على الصمود أمام الظروف المناخية القاسية. وبينما اعتادت الجماهير الإفريقية والعربية على سيناريوهات التأجيل وتوقّف المباريات بسبب تجمع المياه وتلف أرضيات الملاعب، جاءت التجربة المغربية لتكسر هذه القاعدة، وتقدّم نموذجًا استثنائيًا في الجاهزية والاحتراف.
- أمطار بلا تأثير… وملاعب بلا أعذار
رغم شدة التساقطات المطرية التي وثّقتها عدسات الكاميرات، لم تشهد البطولة أي توقّف للمباريات، ولا تأجيل في المواعيد، ولا انزلاقات خطيرة، ولا كرات غارقة في المياه، ولا أرضيات متضررة. المشهد بدا لافتًا: كرة سلسة، لاعبون في أمان، ونجيلة تحافظ على جودتها، وكأن السماء لم تمطر أصلًا.
هذا الصمود غير المسبوق فتح باب التساؤلات على نطاق واسع في منصات التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام:
ما السر وراء هذه الملاعب؟ وما التقنية التي تقف خلف هذا النجاح؟
- تقنية تصريف متطورة بأيدٍ مغربية
وفق تقارير إعلامية أوروبية، من بينها صحف ألمانية متخصصة، تعتمد الملاعب المغربية على نظام تصريف مياه متقدم يُعد من الأحدث عالميًا، ويُستخدم لأول مرة بهذا المستوى في القارة الإفريقية.
هذا النظام يتكوّن من أربع طبقات هندسية دقيقة، تسمح بتوزيع المياه بشكل ذكي ومنع تشبّع التربة، ومدعومة بشبكة مضخات حديثة تحت أرضية الملعب تعمل على سحب المياه بسرعة قياسية فور تساقطها، قبل أن تتراكم أو تؤثر على جودة العشب.
والمثير للإعجاب أكثر، أن المياه التي يتم سحبها لا تُهدر، بل تُوجَّه إلى خزانات ضخمة تحت الأرض، حيث تخضع لعمليات معالجة تقنية، ثم يُعاد استخدامها لاحقًا في سقي أرضية الملعب، في نموذج يجمع بين الابتكار، الاستدامة، وترشيد الموارد.
- سونارجيس… قصة نجاح وطنية
اللافت في هذه التجربة أن هذا الإنجاز لم يكن نتاج حلول مستوردة فحسب، بل ثمرة عمل شركة مغربية خالصة هي “سونارجيس”، وبخبرات وتقنيين مغاربة، ما يعكس التطور الكبير الذي بلغته الكفاءات الوطنية في مجال تدبير المنشآت الرياضية الكبرى.
هذا المعطى يضع المغرب في موقع ريادي، ليس فقط كبلد مستضيف للبطولات، بل كـمرجع في الهندسة الرياضية وتسيير الملاعب داخل القارة الإفريقية وخارجها.
- أكثر من ملاعب… رؤية دولة
نجاح الملاعب المغربية في اجتياز اختبار الطبيعة لا يمكن فصله عن رؤية استراتيجية شاملة انتهجها المغرب خلال السنوات الأخيرة، تقوم على الاستثمار الذكي في البنية التحتية، واحترام المعايير الدولية، والاستعداد المسبق لكل السيناريوهات، بما فيها التقلبات المناخية المفاجئة.
فما حدث لم يكن حظًا، ولا وليد الصدفة، بل نتيجة تخطيط بعيد المدى، وحوكمة دقيقة، وقناعة راسخة بأن الرياضة واجهة حضارية تعكس صورة الدولة أمام العالم.
- فخر افريقي ونموذج يُحتذى
ما حققته الملاعب المغربية خلال هذه البطولة شكّل مصدر فخر افريقي حقيقي، ورسالة واضحة مفادها أن التنظيم المحكم والبنية التحتية الذكية قادران على تحويل تحديات الطبيعة إلى نقاط قوة.
في زمن أصبحت فيه التفاصيل الدقيقة تصنع الفارق، أثبت المغرب أن الاحتراف ليس شعارًا، بل ممارسة واقعية، وأن الملاعب ليست مجرد مدرجات وعشب، بل منظومة متكاملة تحترم اللاعب، والجمهور، والبطولة.
لقد انتقلت الملاعب المغربية فعلًا من اختبار الطبيعة إلى شهادة التفوق… ونجحت بامتياز.
