يحتل المغرب مكانة خاصة في المشهد الإقليمي والدولي بفضل فرادته التاريخية والثقافية والدينية. فهو لم يكن مجرد كيان سياسي عابر، بل تجربة حضارية متجذرة، صاغت لنفسها شخصية مميزة تقوم على ثالوث راسخ: الدين، والعرش، والشعب. هذا الثالوث هو الذي منح المغرب صموده في وجه الأزمات، وجعل منه بلدًا استثنائيًا في زمن الاضطراب.
من أبرز مظاهر خصوصية المغرب ارتباطه الوثيق بالقرآن الكريم. فمنذ قرون، تعالت التلاوات من مساجد البلاد، صباحًا ومساءً، لتشكل خلفية روحية موحدة للوجدان المغربي. هذا الحضور اليومي للقرآن لم يكن مجرد طقس ديني، بل ممارسة جماعية صاغت الوعي العام، ورسخت قيم التضامن، وأنتجت مجتمعًا يرى في الدين رافعة أخلاقية وسلوكية، لا مجرد التزام تعبدي. وهكذا، تحول المغرب إلى بلد شريف بامتياز، يجمع بين النبل الأخلاقي والتدين الوسطي، ويمنحه ذلك تميزًا عن محيطه الإقليمي.
وإذا كان البعد الديني يمنح المغرب تماسكًا روحانيًا، فإن البعد الثقافي يضيف إليه غنىً حضاريًا قل نظيره. فالمملكة، عبر تاريخها الطويل، كانت ملتقى روافد متعددة: الأمازيغية والعربية والحسانية والعبرية والأندلسية والأفريقية. هذه التعددية لم تؤد إلى الانقسام، بل صهرت المجتمع في وحدة متينة، حيث ظل التنوع عامل إثراء لا مصدر تهديد. إن قدرة المغرب على تحويل التنوع إلى انسجام تمثل درسًا حضاريًا بالغ الأهمية، خاصة في زمن تعاني فيه كثير من البلدان من صراعات الهوية والانقسام الثقافي.
هذا التنوع الروحي والثقافي لم يكن ليستمر لولا وجود مؤسسة عريقة ضامنة له، هي المؤسسة الملكية. فالعرش العلوي لم يكن مجرد سلطة سياسية، بل إطارًا يوحد التعدد، ويؤطره في مشروع وطني جامع. لقد أثبت التاريخ أن الملوك العلويين كانوا على وعي عميق بمعادلة الاستقرار: الحفاظ على الدين كمرجعية، صيانة التنوع كقوة، وترسيخ الوحدة الوطنية كغاية. ومن ثورة الملك والشعب التي أسقطت الاستعمار، إلى الإصلاحات الدستورية والسياسية المعاصرة، ظل الملوك العظام يجددون العقد التاريخي مع شعبهم، بما يضمن استمرار الدولة وتماسكها.
وفي هذا السياق تكتسب المناسبات الوطنية مثل ذكرى ثورة الملك والشعب وعيد الشباب أهمية خاصة. فهي ليست مجرد احتفالات رسمية، بل لحظات لتجديد الذاكرة الجماعية واستحضار القيم التي صنعت الأمة. ثورة الملك والشعب تذكر المغاربة بأن وحدتهم قادرة على مواجهة التحديات مهما عظمت، وعيد الشباب يربط حاضر الأمة بمستقبلها، في دلالة على الاستمرارية في ظل قيادة ملك شاب يقود التغيير والإصلاح.
وإذا كان الماضي قد منح المغرب شرعيته الحضارية، والحاضر يزكي تماسكه واستقراره، فإن المستقبل مرهون بأبناء الجيل الجديد الذين يشكلون أكثر من نصف ساكنة المملكة. هؤلاء الشباب، المتشبعون بروح الوطنية والمتطلعون إلى الانفتاح والمعرفة، يمثلون القوة الحقيقية لاستمرار النموذج المغربي. فمسؤوليتهم لا تقتصر على الحفاظ على الإرث التاريخي والروحي للمغرب، بل تتعداه إلى تطويره بما ينسجم مع التحولات العالمية. إن حمل رسالة المغرب كشعب شريف، وبلد القرآن الكريم، وأرض التنوع الثقافي، يفرض الجمع بين الوفاء للأصالة والقدرة على الإبداع والابتكار، بما يضمن استمرار المملكة نموذجًا فريدًا في الاستقرار والوحدة.
وحين ننظر إلى محيط المغرب الإقليمي، ندرك أكثر فأكثر خصوصية النموذج المغربي. ففي منطقة عرفت انقسامات وصراعات دامية، نجح المغرب في الحفاظ على استقراره بفضل ثوابته الوطنية. فالقرآن الكريم الذي يقرأ في مساجده يوحد الأرواح، والتنوع الثقافي يغني التجربة الوطنية، والعرش العلوي يضمن الاستمرار والتوازن، بينما يحمل الشباب مشعل المستقبل. هذه العوامل مجتمعة صنعت “الاستثناء المغربي”، الذي يحظى بتقدير متزايد على المستوى الدولي، ويجعل من المملكة نموذجًا يُحتذى في الحكامة والتماسك الاجتماعي.
إن المغرب اليوم ليس مجرد بلد على الخريطة، بل هو مشروع حضاري ممتد، أرسى دعائمه ملوك عظام، وصانه شعب وفيّ، وتغذيه هوية روحية عميقة وتعددية ثقافية خلاقة. ومع شباب واثق من نفسه، معتز بهويته، قادر على الإبداع والابتكار، يواصل المغرب مسيرته كبلد الشرفاء، وأرض القرآن، ونموذج فريد في الاستقرار والوحدة عبر العصور.
احمد بومهرود
التعاليق (0)