“مقبرة” الملايين الخضراء: شارع العيون بين أكادير والدشيرة.. فشل في الحكامة أم إهدار للمال العام؟

أكادير والجهات

أثار المشهد المأساوي لـ “المجال الأخضر” على مستوى شارع العيون، الذي يربط بين مدينة أكادير والدشيرة الجهادية، موجة من الاستياء والاستنكار بين صفوف المواطنين والمهتمين بالشأن العام. بعد أسابيع قليلة من إتمام مشروع التشجير وتكليف ميزانيات ضخمة لتهيئة هذه المساحات.

فقد تحولت الأشجار والنباتات إلى أعواد يابسة، في صورة ترمز إلى فشل ذريع في مرحلة التدبير والصيانة.

لقد كان الهدف من المشروع، الذي استهلك ملايين الدراهم من المال العام، هو تجميل المدخل الحضري وتعزيز الرئة الخضراء للمنطقة، بما يتماشى مع التوجهات العامة للمدينة نحو التنمية المستدامة. لكن توقف عمليات السقي بشكل مفاجئ، ودون مبررات واضحة، أدى إلى موت النباتات وتدمير الجهد والمال الذي تم استثماره، ليصبح المشروع مثالاً صارخاً على سوء التخطيط أو الإهمال المتعمد.

لم يكن رد فعل المواطنين في تصريحات متطابقة لأكادير 24 مجرد تعبير عن الحسرة على ضياع جمالية المشهد، بل تجاوز ذلك ليطرح تساؤلاً جوهرياً حول حكامة تدبير المشاريع العمومية. في مدينة تسعى للانخراط في برامج كبرى مثل “المدن الخضراء” بدعم من مؤسسات دولية (كما هو الحال بالنسبة لبرنامج المدن الخضراء للبنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية الذي انخرطت فيه أكادير)، يمثل هذا الحادث نكسة حقيقية ويقوض الثقة في قدرة الهيئات المنتخبة على الحفاظ على المكتسبات وإدارة الموارد بكفاءة.

إن الإهدار الواضح للمال العام، بسبب غياب التتبع والرقابة، يفرض على المسؤولين تقديم إجابات شافية حول الأسباب الحقيقية وراء توقف السقي. هل يتعلق الأمر بسوء تقدير لاحتياجات النباتات، أم بخلل في العقود المبرمة مع شركات الصيانة، أم أنه يعكس مشكلة أعمق في منظومة الحكامة الرشيدة لتدبير المرافق والمشاريع الحضرية؟

في هذا السياق، طالبت بعض الفعاليات الجمعوية والمدنية بضرورة فتح تحقيق شفاف وعاجل لتحديد المسؤوليات في هذه الواقعة. إذ لا يمكن تبرير إتلاف مشروع بيئي هام بهذه السهولة، خصوصاً في ظل الإجهاد المائي الذي تعاني منه المنطقة، كما يوجب هذا الحادث مراجعة شاملة لآليات الحكامة المالية والإدارية المعتمدة في تدبير المشاريع الخضراء، والعمل على اعتماد حلول مستدامة للسقي لا تعتمد فقط على اليد العاملة، بل تستغل التكنولوجيات الحديثة والبدائل المتاحة، مثل معالجة المياه العادمة لسقي المساحات الخضراء، لضمان استمرارية هذه المشاريع وحمايتها من الإتلاف. خصوصا و أن حماية المال العام والمكتسبات البيئية هي مسؤولية مشتركة تتطلب يقظة دائمة وتطبيقاً صارماً لمبادئ الحكامة والمساءلة.