agadir24 – أكادير24 /ذ. محمد بادرة
يلعب التقويم التربوي دورا هاما في النظم التربوية الحديثة وتؤكد كل الاتجاهات التربوية على فاعلية التقويم في تطوير منظومة التربية والتكوين والارتقاء بجودة التعليم، ويعد التقويم التربوي ركنا اساسيا في تلك المنظومة بكافة ابعادها وجوانبها نظرا لأهميته في تحديد مدى تحقق الاهداف التعليمية المنشودة التي يتوقع ان تنعكس ايجابيا على المتعلم والعملية التعليمية على السواء وفي تحسين جوانب الاداء والتدبير العملي للمنظومة التربوية فهو الية مساعدة على اتخاذ القرارات والتخطيط المعقلن فضلا عن ذلك فانه يسهم في التحليل والفحص بغاية الوقوف على مواطن القوة والضعف وقياس مدى نجاعة ما تم توظيفه من موارد وامكانيات، وبناء عليه فان السلطة التربوية والتعليمية المسؤولة على تدبير الشأن التربوي الوطني ارست منظومة تقويمية متنوعة منها نظام للتقييم بواسطة الاختبارات والامتحانات التقليدية (الاشهادية) وانظمة اخرى موازية لتقويم التعلمات
ومكن ارساء هذا النظام التقويمي للأداء التربوي للمنظومة – حسب الاستاذ محمد ساسي المدير السابق للمركز الوطني للتقويم والامتحانات بوزارة التربية الوطنية- من توفير موجهات حقيقية للتدخلات التصحيحية الرامية الى تحسين الاداء وتستند الى نتائج دورية ومتجددة وهي النتائج التي مكنت من بلورة فرضيات قوية للبرامج الاصلاحية والتطويرية تضمن استدامة الاصلاح والتطوير.
الا ان ما تم رصده عن هذه المنظومة التقويمية الحالية انها تضرب في العمق مبدا تكافؤ الفرص ودمقرطة المؤسسات التعليمية والتفاوت بين المدارس العمومية والخصوصية واستفحال ظاهرة الساعات الخصوصية وتفشي ظاهرة الغش في الامتحانات وضعف المردودية الداخلية والخارجية لنظامنا التربوي وتحول الية الدعم عن وظيفتها الفعلية في تعزيز التعلمات والتراجع النسبي الضعيف في نسب الهدر المدرسي والتسرب الدراسي …
- نظام التقويم القائم على الاختبارات او الامتحانات النهائية تقتصر على قياس قدرات التلاميذ في لحظة معينة او قياس قدرة واحدة من قدراتهم او جانب واحد من جوانب التعلم المعرفي وتتجاهل باقي القدرات والملكات والمهارات الاخرى لذى المتعلم ويخضع هذا النظام التقويمي لمنظومة خطية تكون العلاقة بين مكوناتها علاقة التتابع والتوالي وينتهي بقرار النجاح او الرسوب والفشل.
الرسوب في هذا النظام التقويمي قد يكون جزئيا حين لا يحصل التلميذ على العلامة / او المعدل في مادة دراسية او في امتحان جزئي لكنه قد يجتاز المستوى وقد يكون الرسوب كليا ويعيد التلميذ نفس المستوى او يتم فصله ويرافق الرسوب الدراسي مشاعر نفسية تنتج عنه مواقف اجتماعية سلبية وحينها يمكن ان يحصل الفشل المدرسي لان الرسوب يؤدي حتما الى الفشل والفشل قد يصيب الافراد داخل المدرسة وخارجها.
اما التعثر الدراسي فهو عكس الفشل الدراسي لان التعثر الدراسي يقترن بصعوبات التعلم وهو حالة مؤقتة تكاد تكون عادية تصيب معظم التلاميذ ان لم نقل كلهم وتعني انه اثناء التحصيل يجد التلميذ في مادة معينة اوفي موضوع ما صعوبة فهم واستيعاب لسبب من الاسباب لكن وبمجهود اضافي ذاتي او بتدخل من المدرس او في اطار حصص الاستدراك او الدعم يتدارك التلميذ النقص ويلحق بزملائه لكن التعثر الدراسي يمكن ان يتحول الى رسوب وفشل اذا تكرر وتعمم واستوطن.
هكذا يستنتج ان من عيوب وسلبيات هذا النظام التقويمي ان الامتحانات التقليدية تكرس بيداغوجية تعتبر متجاوزة باعتبارها مصدر توتر وقلق بالنسبة للمتعلمين وللأسر معا لكونها يعوزها الصدق والثبات والدقة والموضوعية ومن الاضرار التي يخلفها هذا النظام التقويمي:
الاضرار التربوية
ويتمثل في ان الهدف من التربية هو الاعداد للامتحان والنجاح فيه وبالتالي اصبح المدرس والمتمدرس واولياء امورهم لا يهتمون الا بما سياتي في الامتحان ويعدون تلاميذهم وابنائهم لذلك مما تسبب في انتشار ظاهرة الساعات الخصوصية التي تكاد تسود جميع مراحل التعليم.
الاضرار الاجتماعية
وتتمثل في سوء العلاقة بين المتعلمين والمدرسين وتحطيم البناء القيمي والخلقي لأجيال متتابعة نتيجة انتشار الغش في الامتحانات وعدم تكافؤ الفرص بين تلاميذ المؤسسات التعليمية في المدن والقرى بل حتى بين المؤسسات التعليمية والامكانيات المرصودة لها وتزويد المجتمع بمجموعة من “الفاشلين” الذين لفظتهم المدارس والمؤسسات التعليمية وهم لم يزودوا بالمهارات المناسبة للتكيف مع المجتمع.
الاضرار الصحية
خلال الاستعداد للامتحانات يحاول الكثير من المتعلمين ان يسهروا لأوقات متأخرة ولأسابيع وشهور عديدة جامعين بين الحضور الفعلي في الحصص الدراسية الرسمية وحصص الساعات الاضافية خارج اسوار المؤسسات التعليمية متناولين الكثير من المنبهات والمنشطات الكيميائية الصيدلية وهذا بالطبع له اثار سلبية من الناحية الصحية.
ان هذا النظام التقويمي يضرب في العمق مبدا تكافؤ الفرص ودمقرطة المؤسسات التعليمية وتفشي ظاهرة الغش وتنوع اساليبه ووسائله حتى ان الية الدعم تحولت عن وظيفتها الفعلية في تعزيز التعلمات واستفحال ظاهرة الساعات الخصوصية وانعكاساتها السلبية على الاسر .
كما ارتهن هذا النظام التقويمي بتحسين نتائج الامتحانات الاشهادية وخاصة الباكالوريا وسيادة منظور يحصر الاداء في نتائج الامتحانات لا غير
- نظام تقويم المستلزمات وهو الية احدثت لأجل تحسين جودة التعلمات عبر تقويم تحصيل المتعلمين في بداية كل موسم دراسي لرصد مكامن التعثر وتحديد اساليب التدخل لتصحيحها وتخطيط التعلمات في ضوء نتائج هذا التقويم مع تمكين المدرسين من اليات تكييف وتيرة تدريسهم مع وتائر تعلم التلاميذ على اختلافها وذلك عبر اجراء هذه الالية التقويمية للتحقق من مدى تحكم التلاميذ فيما يجب التحكم فيه لمواصلة تنفيذ المنهاج الدراسي دون صعوبات كبيرة.
غير ان هذه الاداة لم تؤدي وظيفتها في رصد مستوى التحصيل وتشخيص التعثرات وتحديد اشكال الدعم الضرورية وتخطيط التعلمات في ضوء نتائج التقويم مما يطرح الكثير من التساؤلات من قبيل :
هل التلميذ مزود بالنوعية المعرفية والنفسية وبالمعارف الضرورية للسماح له بالانتقال الى مادة جديدة او مرحلة دراسية جديدة ؟ وهل التلميذ يوجد في المكان المناسب لتقييم تعلماته؟
كما ان الفشل الذي يصاحب التقويم التشخيصي ناجم عن :
- التأثير السلبي لتعثر انطلاق الدراسة الذي تعرفه الكثير من المؤسسات التعليمية في
تنظيم واجراء هذا التقويم التشخيصي بسبب بطء او تأخر عمليات التسجيل واعادة التسجيل وخصاص في الاطر التربوية والادارية وتأخر نتائج حركة الانتشار واعادة الانتشار للمدرسين والمدرسات …
- ضعف الوسائل اللوجستية التي يتطلبها انجاز مختلف العمليات ومنها طبع الروائز
وايصالها للمؤسسات وتوفير شروط اجرائها.
- ضعف التعبئة في اوساط مختلف الفاعلين التربويين وخصوصا المدرسين وعدم
استقصاء آرائهم في شان هذا التقويم التشخيصي الذي يتكرر اجراؤه كل سنة دون ان يقدم اضافة للعملية التعليمية سوى تبذير الزمن المدرسي والامكانات المادية المرصودة وان كانت ضعيفة وغير كافية.
- عدم مواكبة المشروع بتكوين الفاعلين الرئيسيين وخاصة هيئات التفتيش والادارة والتدريس
- ضعف التأطير والمواكبة والتتبع من قبل هيئة التفتيش لقلة عددهم.
- صعوبة استثمار نتائج التقويم في اعداد برامج الدعم وتخطيط التعلمات وتكييف
البرامج حسب النتائج المحصل عليها.
3- النظام الوطني لتقويم التعلمات (PNEA) وهو برنامج يتلخص هدفه في رصد التحصيل الفعلي للمتعلمين ومقارنته بالتحصيل النموذجي كما يحدده المنهاج الرسمي في مجال القراءة بالعربية والفرنسية والرياضيات والعلوم وكانت نتائج هذه التقويمات منذ بدايتها على درجة من التواضع المقلق على جميع المستويات والمجالات مما ساعد على اذكاء نقاش وطني عن ضرورة ايجاد مداخل لتحسين المردود التربوي وخصوصا الرفع من فعالية الممارسة التدريسية للمدرس عبر ادراج اليات لإدماج التقويم التشخيصي للتعلمات في الممارسة التدريسية للكشف المبكر من حالات التعثر لذى المتعلمين والعمل على معالجتها فرديا ولقد توالت هذه التقويمات التشخيصية في اطار الشراكة بين الوزارة والمجلس الاعلى للتعليم ثم المجلس الاعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي.
ثم جاءت المشاركة بعد ذلك في نظام (PIRLS) وهي دراسة دولية لتقويم تطور كفايات القراءة لذى تلاميذ مستوى السنة الرابعة ابتدائي تم تعممت على باقي الاسلاك بدراسة تقويمية دولية PISA وهي دراسة تعني بتقويم الاداء في القراءة والرياضيات والعلوم بشكل مندمج يمكن من قياس مدى قدرة المتعلم على تعبئة معارفه في ممارسته الحياتية. وجاءت كل هذه المنظومات التقويمية الحديثة حسب الاستاذ محمد ساسي (مدير المركز الوطني للتقويم والامتحانات) في اطار سياقات وطنية ودولية تميزت برهانات كبرى كانت مطروحة على المنظومة التربوية لإعطاء مضمون حقيقي لجهد تعميم التعليم عبر ارساء اليات لتحسين المردود التربوي من خلال المؤشر الاساس الذي هو التحصيل الفعلي للتلاميذ وكذلك قطعا مع التقويمات المناسباتية والتي كانت تنتهي بالإعلان عن النتائج دون اثر فعلي على واقع الحال.
الحقيقة ان موضوع التقويم التربوي بات يشكل هاجسا يؤرق المدرسين قبل المتعلمين واسرهم واولياء امورهم لما له من اهمية كبرى تتجلى في كونه يمس العملية التعليمية والمناهج الدراسية في عمقهما التربوي وكذا لخطورة ما يسببه من اثار سلبية على المستوى الفردي او الاسري والاجتماعي.
ومن جملة المعوقات التي تحول دون تحقيق شروط التقويم الجيد الذي يتسم بالاستمرارية والشمول ويتناسب مع متطلبات التطور المستمر للمجتمع:
معوقات مرتبطة بفلسفة واهداف التقويم :
هناك ضعف الوعي بفلسفة واهداف التقويم لذى كافة اطراف منظومة التربية والتعليم وهذا يؤكد ان تطبيق منظومة التقويم الحالية يشوبها الكثير من الغموض في اهدافها ومراميها وفلسفتها كما انها تتم بطرق عشوائية ودون وجود تخطيط واعداد مسبق وبعيدة عن قراءة واستحضار واقع العملية التعليمية في المدارس العمومية والخصوصية التي تعج بالكثير من المشكلات والمعيقات والتي تحول دون نجاح المنظومة التقويمية.
معوقات مرتبطة بالإدارة المدرسية:
ومنها كثرة الاعباء الادارية الملقاة على عاتق ادارة المدرسة وقلة توفر الادارات المدرسية على الادوات اللازمة لأنشطة التقويم وندرة وجود بيانات تقويمية خاصة بكل مؤسسة تعليمية للاستفادة من نتائج التقويم في تحسين الاداء، اضافة الى كون المدرسين يظهرون قدرا كبيرا من عدم الرضا عن المنظومة التقويمية الحالية وعدم تقديم العون لهم في انجاز الاعمال التقويمية من قبيل قلة او عدم توفرهم على الدليل الارشادي في تطبيق منظومة تقويم التعلمات.
معوقات مرتبطة بالمدرس
وجود كثرة الاعباء التدريسية والادارية الملقاة على عاتق المدرس وغياب حوافز مادية ومعنوية تشجع المدرسين على تطبيق كل مكونات المنظومة التقويمية اضافة الى وجود اكتظاظ عال بالفصول الدراسية مما يمنع المدرس من متابعة وتقييم اعمال التلاميذ كما ان حرص المدرسين على احترام جدول الحصص الدراسية وانهاء المقرر الدراسي يفرض التضحية ببعض مكونات التقويم حتى لا يساءل عن التقصير في مهمته.
معوقات مرتبطة بالتكوين
قلة وضعف فترات ودورات تكوينية قارة مرتبطة باليات تطبيق المنظومة التقويمية وعدم الجدية في تنفيذ برامج التكوين في هذا المجال الحيوي للمنظومة التعليمية مما ينمي لذى الجميع هامشية التقويم ولاجدوائيته، وحتى حينما يتم برمجة عدد من التكوينات فان مواعيد واماكن اقامتها تكون غير مناسبة ودون اعداد مسبق او يكون فيها قصور في جانب تكوين المدرسين على مهارات التقويم بمختلف مكوناته وادواته.
معوقات مرتبطة باطر التوجيه
ضعف اهتمام الموجهين لنتائج منظومة التقويم بل ضعف اقتناع بعضهم بفلسفة واهداف التقويم ويمكن ان يعزى ذلك الى ضعف معرفتهم اوعيهم بفلسفة واهداف التقويم ويركزون في اداء تقييم المدرسين بناء على مستوى نتائج التلاميذ في الامتحانات الدورية او النهائية.
معوقات مرتبطة بالتلميذ
ضعف وعي التلاميذ بأهمية التقويم في تحسين ادائهم وقد يرجع ذلك الى تعودهم على نظام التقويم التقليدي من خلال اختبارات وامتحانات نهاية الفصل الدراسي وتركيز التعليم على حشو الاذهان بكم من المعارف والمعلومات ودون تقييم باقي المهارات الاخرى.
وهناك معوقات اخرى نذكر منها:
– قلة او عدم وجود حجرات مخصصة للأنشطة المختلفة بالمؤسسات التعليمية.
– قلة الاجهزة والوسائل التعليمية المعينة على تطبيق المنظومة التقويمية.
– قلة التمويل والاعتمادات المالية المخصصة لمثل العمليات التعلمية مما يعيق المؤسسات التعليمية من انجاز كل العمليات التقويمية والتقييمية.
– تغيير القيادات التنفيذية على مستوى الادارة المركزية والادارات الجهوية والاقليمية مما يترتب عليه تغيير في الخطط الموضوعة في غياب خطط زمنية طويلة المدى والالتزام بتنفيذها ومتابعتها وقلة الاطر المتخصصة في مجال التقويم.
ولضمان نجاح ونجاعة التقويم التربوي حتى يساهم ويساعد في تطوير المنظومة التربوية نرى ضرورة:
– اصدار تشريعات تسهم في سهولة تطبيق نظام التقويم التربوي.
– اعداد سياسة وطنية لتقويم الموارد البشرية وتقويم المؤسسات التعليمية وتقويم البرامج والمناهج الدراسية بالاعتماد على البحوث والدراسات العلمية الميدانية لتحسين جودة العرض التربوي والرفع من المردودية الداخلية.
– جعل النظام التقويمي مكونا اساسيا من مكونات المنهاج الدراسي لا ينفصل عن باقي المكونات الاخرى واعتماد معايير وطنية موحدة للامتحانات والمباريات تتبنى مقاربة الجودة وتحقيق مبادى تكافؤ الفرص.
– تكوين لجن مختصة ممثلة من كافة اطر التربية والتعليم قصد صياغة مدونة وطنية للتقويم تضع الاهداف والخطط وتقوم بالتنسيق والمتابعة والتقييم مع توفير التمويل واللوجستيك الكافيين لتطبيق كل الاهداف التي تحددها مدونة التقويم .
– تنظيم دورات تكوينية مسترسلة ومتخصصة للمدرسين والاداريين للتوعية بنظام التقويم واهميته للرفع من مستوى التلاميذ.
التعاليق (0)