كواليس صناعة الدواء.. خريطة هيمنة تهدد حياة المرضى المغاربة

أخبار وطنية

تشهد كواليس صناعة وتوزيع الأدوية في المغرب حالة من الاضطراب العميق، وسط معطيات مثيرة حول وجود تواطؤات بين أطراف متعددة داخل القطاع، ما يستدعي تدخلا عاجلا من الوزير أمين التهراوي لفتح تحقيق شامل في هذه الممارسات التي تهدد الأمن الصحي للمواطنين.

وحسب ما كشفته جريدة “الصباح” في عددها ليوم الاثنين 24 نونبر، فإن خريطة سوق الدواء بالمغرب تظهر تركزا قويا للهيمنة، حيث يسيطر 15 مختبرا فقط على حوالي 70% من السوق الوطنية، مع احتكار فئات دوائية بعينها بشكل يؤثر بشكل مباشر على توفر الأدوية.

وأفادت الجريدة أن أزمة انقطاع الأدوية لا يمكن حصرها في جهة واحدة، بل هي نتيجة سلسلة مترابطة من المسؤوليات المتقاسمة بين مختلف الفاعلين، مشيرة إلى أن القطاع يعيش وسط منافسة مجزأة وسياسات دوائية غير منسجمة، إضافة إلى تدبير يظل خاضعا لإكراهات الرقابة الإدارية والتقنية، ما يحد من إمكانيات تطوير سوق دوائية شفافة ومتوازنة.

ونبه ذات المصدر إلى أن هذه الاضطرابات تنعكس بشكل مباشر على المرضى، خصوصا المصابين بأمراض مزمنة، إذ أصبحت الصيدليات والمستشفيات العمومية والمصحات الخاصة تسجل نقصا حادا في عدد من الأدوية الحيوية، ما يهدد حياة المرضى ويضاعف معاناتهم اليومية.

ويهم هذا الانقطاع أدوية أساسية لعلاج السرطان، والفشل الكلوي، وقصور الغدة الدرقية، وداء السل، وهي علاجات يتسبب غياب جرعاتها المنتظمة في تدهور الحالة الصحية للمريض بشكل خطير، في حين تتوزع أشكال النقص بين انقطاع جزئي مرتبط بموزع أو مصنع معين، وانقطاع شامل يجعل الدواء غير موجود تماما في السوق.

ورغم أن بعض الأدوية يمكن تعويضها ببدائل، إلا أن الوضع يصبح بالغ الخطورة عندما يتعلق الأمر بأدوية حيوية، خاصة في ظل انعدام تحديد دقيق لمدة “الانقطاع”، على عكس دول أخرى تعتمد مهلة زمنية لا تتجاوز 72 ساعة من عدم القدرة على التزويد.

وتشير المعطيات إلى أن أسباب هذه الأزمة متنوعة، منها ما يرتبط بالشق التنظيمي والاقتصادي، ومنها ما يعود لمشاكل الإنتاج والجودة، إضافة إلى أعطاب في قنوات التوزيع واللوجستيك، فضلا عن ممارسات احتكارية تضغط على وحدات التصنيع وتدفعها نحو خفض تكلفة الإنتاج على حساب الوفرة والاستمرارية.

وأمام هذه الصورة المقلقة، يصبح فتح تحقيق رسمي وشامل ضرورة ملحة، ليس فقط لتحديد المسؤوليات، بل لإعادة هيكلة السوق وضمان شفافية تدبيره، وتوفير الأدوية الحيوية للمواطنين دون انقطاع.