كأس إفريقيا للأمم: حين تتحول الكرة إلى لغة موحدة للقارة

أكادير الرياضي

بقلم: أحمد بومهرود باحث في الإعلام و الصناعة الثقافية

مع اقتراب صافرة انطلاق كأس إفريقيا للأمم بالمغرب، ابتداءً من يوم الأحد المقبل، تستعد القارة السمراء لحدث يتجاوز حدود الرياضة، ليصبح موعدًا مع الفرح والذاكرة والهوية المشتركة. فهذه البطولة، التي تُعدّ الأعرق والأكثر جماهيرية في إفريقيا، ليست مجرد منافسة كروية على لقب قاري، بل احتفال جامع تختلط فيه المشاعر، وتتوحد فيه اللغات، وتلتقي فيه الشعوب على شغف واحد: كرة القدم.
منذ النسخة الأولى سنة 1957، شكّلت كأس إفريقيا للأمم مرآة تعكس تحولات القارة السياسية والاجتماعية والثقافية. فقد رافقت البطولة مسارات التحرر الوطني، وصعود أجيال كروية صنعت المجد، وأسهمت في ترسيخ كرة القدم كأقوى وسيلة للتواصل بين شعوب تختلف أعراقها ولهجاتها، لكنها تتقاسم نفس الحلم داخل المستطيل الأخضر. في الملاعب الإفريقية، لا يحتاج المشجع إلى ترجمة ليعبّر عن فرحه أو حزنه؛ فالهتاف، والدمعة، ورفع الأعلام كفيلة بإيصال الرسالة.
ويأتي تنظيم المغرب لهذه النسخة ليمنح البطولة بعدًا خاصًا، إذ تراهن المملكة على بنية تحتية حديثة، وتنظيم محكم، وتجربة جماهيرية تعكس مكانتها المتنامية في المشهد الكروي الإفريقي والدولي. فالملاعب الموزعة على عدد من المدن، وشبكة النقل، والانفتاح الثقافي، كلها عناصر تجعل من كأس إفريقيا للأمم فرصة لإبراز صورة إفريقيا الحديثة، القادرة على احتضان التظاهرات الكبرى وفق أعلى المعايير.
على المستوى الرياضي، تعد هذه النسخة من أكثر الدورات تنافسية في تاريخ البطولة. فالمنتخبات الإفريقية تشهد تطورًا لافتًا، بفضل احتراف لاعبيها في أكبر الدوريات العالمية، وتطور المدارس التدريبية، وتزايد الاستثمار في الفئات السنية. لم يعد هناك منتخب “صغير” وآخر “كبير”؛ فالمفاجآت أصبحت جزءًا من هوية البطولة، وهو ما يمنحها إثارة خاصة ويجعل كل مباراة قابلة لكل الاحتمالات.
لكن القيمة الحقيقية لكأس إفريقيا للأمم لا تكمن فقط في النجوم والأهداف، بل في قدرتها على توحيد القارة حول لحظة إنسانية مشتركة. خلال أسابيع البطولة، تتوقف الخلافات، وتُنسى الحدود، ويتحول الانتماء الوطني إلى مصدر فخر إيجابي. في المقاهي والشوارع والبيوت، يجلس الملايين لمتابعة نفس المباريات، ويتشاركون نفس الانفعالات، وكأن القارة بأكملها تشاهد من مدرج واحد.
كما تشكل البطولة منصة لإبراز التنوع الثقافي الإفريقي، من خلال الموسيقى واللباس والاحتفالات المصاحبة للمباريات. فكل منتخب لا يحمل فقط قميصه وألوانه، بل يحمل جزءًا من تاريخ بلده وثقافته، ليعرضه أمام جمهور قاري وعالمي. وهنا تتحول كرة القدم إلى وسيلة دبلوماسية ناعمة، تعزز التقارب، وتكسر الصور النمطية، وتعيد تقديم إفريقيا كقارة غنية بإمكاناتها الإنسانية والثقافية.
في زمن تتزايد فيه التحديات الاقتصادية والاجتماعية، تظل كأس إفريقيا للأمم متنفسًا جماعيًا، ومساحة للأمل، ورسالة بأن ما يجمع الأفارقة أكبر بكثير مما يفرقهم. ومع انطلاق البطولة من أرض المغرب، تتجدد الحكاية نفسها: كرة تتدحرج، وقلوب تخفق، وقارة بأكملها تتحدث لغة واحدة… لغة كرة القدم.