فسحة رمضان مع العلم والاختراعات الحلقة -6- .. كيبلر مؤسس علم البصريات الحديثة

Kepler كُتّاب وآراء

أكادير24 | Agadir24

تعتبر الأبحاث التي قام بها ابن الهيثم في مجال البصريات، نقلة نوعية نحو تطور هذا العلم إلى أن وصل إلى إمكانية تصحيح البصر باستعمال النظارات، والقيام بجراحات على العين لتقويم النظر، ونذكر على الخصوص عملية إزالة “الجلالة”، حيث تمت أول عملية من هذا النوع سنة 1748.

يمكن اعتبار علم البصريات من أقدم العلوم، فنجد بعض النظريات حول العدسات البصرية تعود لحقبة ما قبل التاريخ خاصة قدامى المصريين وسكان بلاد الرافدين. ربما يعود الأمر إلى إدراك فلاسفة تلك الحقبة أهمية العين في الرؤية وتيسير حياة الإنسان، فكان الاهتمام الكبير بها، الأمر الذي فتح المجال أمام ظهور علم البصريات. وضع فلاسفة اليونان نظريات حول الضوء والإبصار، التي أدت إلى تطور علم هندسة البصريات. لكن هذه النظريات كانت ضعيفة، وترتكز في بعض الأحيان على الخرافات التي كانت سائدة في العصر اليوناني القديم. فمثلا اعتبر الفيلسوف -إيمبيدوقليس- في القرن الخامس قبل الميلاد، أن أصل كل شيء في الطبيعة أربعة عناصر تقليدية: النار الهواء الماء والتراب. وهو ما شكل ثورة علمية في وقتها، لكنه اعتبر أن أفروديت (ربة الحب في المعتقد اليوناني) صنعَت العين البشرية من العناصر الأربعة، فجعلت النار تخرج من العين، ليتمكن الإنسان من الرؤية. وهو ما ذهب إليه علماء اليونان القدامى خاصة “إقليدس” و”بطليموس”، إلى أن جاء ابن الهيثم الذي يُعتبر في عصره من رواد المنهج العلمي، فصحح هذه النظرية بالقول إن الرؤية هي نتيجة انعكاس الضوء على الأشياء ليصل إلى العين، وهي النظرية التي بقيت سائدة في عصرنا الحالي. كما درس علم الضوء بطريقة جديدة لم يسبقه إليها أحد قبل، وقام بتوضيح قوانين الانعطاف والانكسار التي أعطت دفعة قوية لعلم البصريات. وكانت هذه الأبحاث تتمة لما قام به عالم الرياضيات اليوناني -بطليموس- الذي درس درجات الانكسار في أوساط الهواء والماء والزجاج ودوَّن نتائجه.

اعتمد -يوهانس كيبلر- على أبحاث ابن الهيثم التي تفيد أن الانكسار الضوئي هو المسؤول عن الرؤية بالعين، واعتبر أن استخدام العينين يعطي إحساساً بالعمق. قام كيبلر، في القرن السادس عشر، بصنع نظارات للمصابين بقُربِ أو بُعدِ النظر، وشرح كيفية عمل التلسكوب. قام كيبلر كذلك بوصف الصور وعملية التكبير، كما أنه تعمق في فهم خواص الانعكاس. وكما فعل ابن الهيثم في نقضِ تصورات علماء اليونان -كإقليدس- و-بطليموس-، رفض كيبلر مبادئ أرسطوطاليس في الفيزياء ونقَضَها هو كذلك. قدم كيبلر العديد من الأبحاث والدراسات في علم البصريات، أبرزها كان كتابه الشهير “بعض البصريات الفلكية” الذي جعله يحصل على لقب مؤسس البصريات الحديثة.

أهم إنجازاته:

◄ قام بالتحقيق في تكوين الصور بكاميرا ذات ثقب الدبوس معتمدا على أبحاث ابن الهيثم، وشرح كيفية عمل التلسكوب.

◄ شرح عملية الرؤية عن طريق الانكسار داخل العين، إضافةً لشرح كيفية استخدام كلتا العينين لإدراك العمق.

◄ صاغ تصميم النظارات لمشاكل قِصر النظر وطول النظر.

◄ وصف الصور والتكبير الحقيقي والافتراضي والمستقيم والمقلوب في كتابه “ديبوتريس”، وهو مُصطلح ما يزال يُستخدم حتى الآن.

◄ أول من اكتشف ووصف خصائص الانعكاس الداخلي الكلي.

بعد أبحاث كل من ابن الهيثم في القرن 11، وكيبلر في القرن 16، عرف علم البصريات تحولات متسارعة. فبعد تصميم النظارات الذي قام به كيبلر، بدأت البشرية في استعمال زوج من النظارات يتم تجميعها بمسمار، ثم ظهرت أولى النظارات كما نعرفها حاليا سنة 1780 انطلاقا من فكرة الأمريكي -بينجمان فرانكلين-. وظهرت بعد ذلك العدسات اللاصقة في 1890. وفي سنة 1910، تمكنت شركة كارل زييس من ابتكار العدسة ثنائية البؤرة (Lentille à double foyer). ثم ظهر زجاج النظارات مصنوع من مادة بسيكلاس سنة 1936 من صنع الشركة الألمانية فاربين. وفي سنة 1945، تمكن الأمريكي -تيوهي- من ابتكار العدسة القرنية التي لا تغطي سوى قرنية العين. العدسة اللينة التي تستعمل في وقتنا الراهن ابتكرها التشيكي -ويشتيرلي- سنة 1964.

وبفعل تطور صناعة البصريات، بدأت تظهر في الأسواق العديد من المنتوجات الجديدة كزجاج فاريلوكس  (Varilux) سنة 1959، النظارة الشمسية(verres solaires) سنة 1938 وهو ابتكار الأمريكي -إيدوين- مخترع آلة التصوير بولارويد. وسنة 1955 ظهر في الأسواق الزجاج الغير قابل للكسر والذي طورته الشركة الأمريكية جينتك سنة 1971.

عملية القرنية تصورها في البداية المختص الكلومبي -باراكير-. بدأ إجراء هذا النوع من العمليات في اليابان منذ 1955، قبل تطويرها من طرف الروسي -فيودوروف-، وهي عملية تجعل صاحبها مستغني عن حمل النظارات.

الكثير منا يستعمل مختلف النظارات لتحسين رؤيته أو لحماية عينيه من الشمس. لكن القليل من يعرف بأن فكرة النظارات لتصحيح الرؤية بدأت بأبحاث العالم اليوناني -بطليموس- في القرن الثاني، وتم تطويرها من قبل عالم العصر الإسلامي ومؤسس علم البصريات ابن الهيثم، وهي الأبحاث التي اعتمدها كيبلر في إنشاء علم البصريات الحديثة، ليتطور هذا العلم ويصل إلى ما نشاهده في عصرنا الحالي.

 سعيد الغماز

 

التعاليق (0)

اترك تعليقاً