بقلم: أحمد بومهرود باحث في الإعلام و الصناعة الثقافية
مرة أخرى، تحاول الجزائر تغطية الشمس بالغربال. فبينما ترفع شعار “الحياد” و“حق تقرير المصير”، تمارس على الأرض سياسة واضحة لا تقبل اللبس: دعم الانفصال في الصحراء المغربية وتمويل جبهة البوليساريو سياسياً وعسكرياً وإعلامياً، في تناقض صارخ مع خطابها الرسمي أمام العالم.
منذ ما يقارب نصف قرن، والجزائر تروّج لفكرة أنها ليست طرفاً في نزاع الصحراء، وأنها فقط “تدافع عن مبدأ”. غير أن الحقائق الميدانية والسياسية تكشف أن القضية بالنسبة لها ورقة استراتيجية في صراع النفوذ مع المغرب، لا أكثر ولا أقل. فالحديث عن “الشرعية الدولية” ليس سوى قناع تخفي وراءه الجزائر طموحاً جيوسياسياً قديماً نحو منفذ إلى المحيط الأطلسي عبر أراضي الصحراء المغربية.
- مشروع سياسي بغطاء أخلاقي
ليست “القضية الصحراوية” قضية حقوقية كما يُقدَّم للرأي العام الجزائري. إنها في جوهرها مشروع سياسي تتوارثه الأنظمة الجزائرية المتعاقبة منذ السبعينيات، بهدف عرقلة المغرب ومحاصرته غرباً.
فالجزائر تعرف أن وجود كيان تابع لها في الصحراء سيمنحها موقعاً استراتيجياً جديداً ويكسر التوازن الإقليمي في شمال إفريقيا. لذلك، لم تتردد في احتضان البوليساريو فوق ترابها في تندوف، وجعلت من القضية ملفاً دائماً لتبرير عدائها للمغرب داخلياً وخارجياً.
- من شعار “تقرير المصير” إلى منطق “الضمّ الصامت”
إن من يتابع الخطاب الجزائري عن قرب يدرك أنه لا يهدف إلى إقامة دولة مستقلة كما يُروّج، بل إلى خلق كيان خاضع لنفوذ الجزائر يضمن لها موطئ قدم على الأطلسي.
فالقضية إذن ليست “دفاعاً عن شعب”، بل استمرار لمنطق توسّعي قديم يرتبط بالصحراء الشرقية التي اقتطعتها فرنسا من المغرب وضمّتها إلى الجزائر زمن الاستعمار.
لكن الجزائر تتجنب الحديث عن هذه الحقائق، لأنها تكشف أصل التناقض الذي تحاول تغطيته بخطاب أخلاقي لا يصمد أمام التاريخ.
- تغيّر الموازين وكشف المستور
اليوم، ومع التحولات الإقليمية المتسارعة، لم يعد خطاب الجزائر يجد صدى كما في الماضي.
أكثر من 30 دولة فتحت قنصليات في العيون والداخلة، والمبادرة المغربية للحكم الذاتي تحظى بدعم دولي واسع، فيما تتزايد عزلة الجزائر على الساحة الإفريقية والعربية و الدولية .
إن الإصرار على تجاهل هذه التحولات لا يعبّر عن ثبات في المبدأ، بل عن عجز في الرؤية السياسية، وعن هروب من مواجهة الواقع الذي تغيّر بالكامل.
- الحالة اليوم: ارتباك واصطدام مع الواقع
واليوم، بعد أن اقتنع العالم بمبادرة الحكم الذاتي كحل وحيد وواقعي، لم تجد الجزائر ما تواجه به هذه الحقيقة سوى رفع منسوب التصعيد.
فقد سَعّرت الخطاب وأزبدت في المنابر، وأطلقت مجدداً أدواتها الإعلامية والسياسية في حملة هستيرية، بينما دفعت بالمرتزقة التي جمعتها من مختلف البلدان إلى الواجهة وهم يحملون “شرويطة” الانفصال ويرددون شعارات بالية عن “تقرير المصير”، في محاولة يائسة لإحياء وهم مات منذ زمن.
لكن هذه الموجة الجديدة من الضجيج لا تعبّر إلا عن ارتباكٍ أمام سقوط الرواية القديمة، بعدما أقرّ المجتمع الدولي بأن مبادرة الحكم الذاتي المغربية تمثل الحل الواقعي والوحيد للنزاع، في إطار السيادة الوطنية والوحدة الترابية للمملكة.
- شمس الحقيقة لا تُغطّى
لقد حان الوقت للجزائر لتقول الحقيقة لشعبها وللمنطقة: الصحراء مغربية، أرضاً وتاريخاً وشعباً، والحل الواقعي الوحيد هو الحكم الذاتي في إطار السيادة المغربية.
أما الاستمرار في التمسك بخطاب تجاوزه الزمن فلن يزيد إلا في تأزيم المنطقة وإهدار الفرص لبناء المغرب الكبير الموحّد والمستقر.
فالحقيقة، مهما حُجبت، ستبقى ساطعة.
والشمس، مهما حاول البعض تغطيتها بالغربال، ستشرق من جديد على مغرب موحد لا مكان فيه للوهم والانقسام.


التعاليق (0)