مدينة نيويورك الأمريكية تنتخب عمدة بمواصفات جديدة ومثيرة. عمدة مناهض لإسرائيل، مساند لفلسطين، مسلم كما يُقدِّم نفسه وينتمي للجناح اليساري المقرب من الحزب الديمقراطي. العمدة الجديد لنيويورك اسمه زهران ممداني، عمره 34 سنة، ويكون بذلك أصغر عمدة لهذه المدينة الأغنى في العالم.
فمن يكون زهران ممداني وما هي دلالات انتخابه؟
زهران ممداني نجم السياسة الأمريكية الجديد، وُلد خارج الولايات المتحدة الأمريكية وهاجر إليها في طفولته. وُلد في كمبالا عاصمة أوغندا عام 1991 من أبوين من أصول هندية. أبواه يُعدان من النخبة الأمريكية المتعلمة، فأبوه هو أستاذ الدراسات الإفريقية في جامعة كولومبيا، وأمه مخرجة سينمائية. عمدة نيويورك الجديد يتحدث اللغة العربية بشكل جيد.
ينتمي زهران إلى حركة مقربة من الحزب الديمقراطي معروفة باسم حركة الاشتراكيين الديمقراطيين الأمريكيين. المنظمة تمثل الجناح اليساري في الحزب الديمقراطي. أهم أفكار هذه المنظمة التي ينتمي إليها عمدة نيويورك الجديد هي العدالة الاجتماعية وتقليص فجوة الدخل، التركيز على الخدمات العامة المهمة كالرعاية الصحية والتعليم المجاني والسكن الميسور للمواطنين، الاهتمام بالبيئة والحفاظ عليها بالحد من تأثير الوقود الأحفوري، وتشجيع الطاقة الخضراء. بالإضافة إلى دعم حقوق العمال وتقوية النقابات والرقع من الحد الأدنى للأجور. وأخيرا تبني ما يسمى الديمقراطية الاقتصادية وهو ما يعني أن القرارات المهمة التي تمس حياة الناس لا ينبغي أن تترك في أيدي الشركات الكبرى، كالأجور والسكن والتعليم والصحة والبيئة.
أبرز وعود ممداني الانتخابية هي تجميد إيجارات السكن التي بلغت مستويات كبرى أضرت بساكنة نيويورك، توفير حافلات مجانية للنقل العمومي لتخفيف ضغط النقل على ذوي الدخل المنخفض في المدينة، رعاية مجانية للأطفال بتخصيص روض الأطفال بشكل مجاني، وإنشاء متاجر بقالة مملوكة للمدينة للسيطرة على تكاليف المعيشة.
إنه برنامج يساري في أكبر مدينة رأسمالية عالميا، يفوز في انتخابات نظمتها أكبر رأسمالية عالمية. هذا البرنامج جعل الرئيس الأمريكي يصف عمدة نيويورك الجديد خلال الحملة الانتخابية باليساري والشيوعي المجنون. لكن تلك الحملة المضادة لم تؤثر على ساكنة نيويورك في التصويت له وبأغلبية ساحقة. وهنا يكمن عنصر المفاجأة.
على ضوء ما سبق، يمكننا القول إن من بين دلالات انتخاب زهران ممداني عمدة لأكبر مدينة رأسمالية في العالم، اقتناع جزء كبير من الأمريكيين بأن النظام الرأسمالي يخدم الأغنياء فقط، وأن نظام الليبرالية الجديدة الذي يحكم العالم هو في خدمة الشركات الكبرى فقط. هذه القناعات الجديدة، والتي تتبلور مع الوقت، جعلت الناخب الأمريكي يبحث عن بدائل أخرى قد تكون في أقصى اليمين كما قد تكون في أقصى اليسار.
لكن أهم دلالات انتخاب العمدة الجديد لنيويورك، هو تحول الرأي العام الأمريكي اتجاه اللوبي الصهيوني وإسرائيل. المعروف أن كل من ينتقد إسرائيل وبعادي الصهيونية الاستعمارية، لا مكان له في عالم السياسة الأمريكية. وانتخاب زهران ممداني الداعم للقضية الفلسطينية، والمساند لغزة بمشاركته في العديد من التظاهرات التي تتهم إسرائيل بالإبادة الجماعية في حق سكان غزة، وتصريحه باعتقال الرئيس الإسرائيلي نتنياهو وتسليمه لمحكمة العدل الدولية إن هو زار نيويورك، هو تحول كبير لدى الناخب الأمريكي جدير بالدراسة والبحث.
انتخاب عمدة جديد لأغنى مدينة في العالم، مناصر للقضية الفلسطينية، ومناهض للاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، مناصر للفكر الاشتراكي ومناهض للفكر النيوليبرالي، هو حدث كبير وكبير جدا. حدث قد يقلب المفاهيم، ويجعل العالم يدخل مرحلة جديدة بمواصفات مختلفة وقناعات مغايرة.
سعيد الغماز-كاتب وباحث


التعاليق (0)