بقلم: أحمد بومهرود باحث في الإعلام و الصناعة الثقافية
بعد خمسين عامًا من “الكرم الصحراوي” المزعوم، تذكّرت الجزائر فجأة أن اللاجئين الصحراويين في تندوف يمكن أن يمرضوا. نعم، بعد نصف قرن من العواصف الرملية، ومخيمات الصفيح، ونسيان رسمي محكم، قررت الدولة الجارة أن ترمّم خربة بالعاصمة وتحوّلها إلى “مركز تمنفوست لإيواء المرضى”.
ويا للعجب، صار ذلك حدثًا وطنيًا تُرفع فيه الأعلام، وتُلتقط فيه الصور، وتُلقى الخطب الرنانة عن “الأخوة والصمود والمصير المشترك”.
لكن السؤال البديهي ( وربما المؤلم ) هو:
أين كان يُعالج هؤلاء البشر طيلة خمسين سنة؟
هل كانت الخيام تقوم مقام المستشفيات؟ أم أن الطب في تندوف كان يعتمد على “الريح والعزيمة” بدل الأجهزة والأطباء؟
الترميم الأخير لم يكن في الحقيقة لمبنى، بل لترميم صورة سياسية باهتة فقدت بريقها. فالحدث لم يكن طبِّيًا بقدر ما كان إعلاميًا، وكل ما نُظم حوله كان أقرب إلى مسرحية إنسانية تُعرض على شاشة التلفزيون لتذكير العالم بأن “الإنسانية الجزائرية” ما زالت بخير… ولو على أنقاض خربة.
وفي حين تُرمَّم خربة بعد نصف قرن، يعيش إخوانهم الصحراويون في وطنهم الأم المغرب واقعًا آخر تمامًا.
هناك، في العيون والداخلة والسمارة وبوجدور، ترتفع مستشفيات عصرية بمواصفات دولية، ومراكز استشفائية جامعية مجهزة بأحدث التقنيات الطبية، وأطباء مغاربة يستقبلون المواطنين دون كاميرات أو بيانات رسمية.
في الصحراء المغربية، العلاج حقٌّ يومي، لا مناسبة دعائية.
المواطن الصحراوي هناك لا ينتظر خمسين سنة ليحصل على سرير، ولا يحتاج إلى سفير من ورق ليقصّ الشريط أمام باب المستشفى.
المفارقة مذهلة: في الجزائر ، تُرمَّم “خربة” لتصبح إنجازًا، وفي العيون تُبنى مدن صحية كاملة في صمت وفعالية.
هنا يُمارس الطب، وهناك يُمارس التمثيل.
هنا تُصان كرامة الإنسان، وهناك يُستدعى الإنسان ليُزيّن الصورة.
خمسون عامًا من اللجوء، وخمسون دقيقة من التصوير.
هذا هو الفارق بين من اختار أن يعيش داخل وطنٍ يبنيه، ومن اختير له أن يُحتجز خارجه باسم “القضية”.
فهل نحتاج فعلًا إلى مركز علاج جديد في العاصمة الجزائرية لأبنائنا المحتجزين ؟
أم إلى علاجٍ أشمل لمرضٍ اسمه النفاق السياسي؟
التعاليق (0)