في خطوة تترجم الانخراط الفاعل للمؤسسة التعليمية في القضايا المجتمعية الملحة، أطلقت ثانوية ابن سليمان الرسموكي التقنية بتيزنيت كبسولة توعوية رقمية متميزة تحت شعار “فضاؤك الرقمي… مسؤوليتكِ وأمانكِ.. لنكسر جدار الصمت!”. تأتي هذه المبادرة، التي حظيت بتوجيه من المديرية الإقليمية للتعليم، في سياق الحملة الأممية السنوية “16 يوماً من النشاط لمناهضة العنف القائم على النوع الاجتماعي”، وتنسجم تماما مع التوجيهات الاستراتيجية لوزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة والشعار الوطني للحملة لهذا العام “لنتحد جميعا من أجل إنهاء العنف الرقمي الممارس ضد الفتيات والنساء”.
ولم تكن الكبسولة مجرد منشور إعلامي عادي،بل مشروعا تربويا شاملا هدف إلى تشخيص دقيق لظاهرة العنف الرقمي بوصفها شكلا مستجدا من أشكال الانتهاك الذي يطال الفتيات والنساء بشكل خاص. وأوضحت الأستاذة نعيمة بوزرع، المختصة الاجتماعية بالثانوية والمشرفة على المحتوى التوعوي، أن الهدف الاستراتيجي يتجاوز التوعية الظرفية إلى بناء “مناعة رقمية” وقائية لدى النشء، وتمكين التلميذات من أدوات عملية للدفاع عن حقوقهن وكرامتهن في الفضاء الافتراضي الذي أصبح فضاء حياتيا لا ينفصل عن الواقع.
وعرفت المبادرة “العنف الرقمي” بأنه نمط من الإيذاء النفسي والمعنوي المنظم، الذي يستخدم التقنيات والمنصات الرقمية وسيلة لاستمرار التمييز والقهر، مؤكدة أنه غالبا ما يمثل امتدادا وتكثيفا لأشكال عنف قائمة في الفضاء المادي. وسلطت الضوء على أشكاله المتطورة، التي تشمل التحرش الإلكتروني المنهجي، والابتزاز العاطفي والجنسي، وانتحال الهوية، والتشهير عبر نشر الشائعات، وصولاً إلى المراقبة الإلكترونية والتتبع الرقمي، الذي يغتال خصوصية الضحية ويشعرها بعدم الأمان الدائم.
تميزت المبادرة بمنهجية عمل تشاركية جمعت بين البعد التربوية والبعد الإبداعي للتلاميذ، فبينما أشرفت الأستاذة نعيمة بوزرع على المضمون العلمي والاستشارات النفسية والتربوية، تولى الجانب التقني والإخراجي التلميذان الموهوبان ياسر الزهيم وخديجة أوبرايم من قسم العلوم الرياضية “ب”، حيث عملا على تصميم الجرافيك، وتسجيل الصوت، والمونتاج، في نموذج عملي يُجسّد دور التلميذ كشريك فاعل في العملية التربوية. وأشرف على تنسيق المشروع وتذليل عقباته السيد إدريس مسافر، المختص التربوي، الذي أكد أن هذه الخطوة تندرج في صميم رؤية الثانوية لبناء مدرسة آمنة، إيجابية ومنتجة، تعلي من قيم المواطنة الرقمية المسؤولة.
قدمت الكبسولة دليلا عمليا شاملا ومترابط الخطوات، يهدف إلى تحويل المعرفة إلى فعل. فبدلا من الاكتفاء بسرد النصائح، نسجت مسارا متسلسلا يبدأ بالوقاية الاستباقية، حيث دعت المستخدمات إلى تعزيز حصونهن الرقمية عبر مراجعة دائمة لإعدادات الخصوصية، واستخدام كلمات مرور قوية ومعقدة، والتفكير مليا قبل مشاركة أي محتوى شخصي يحمل بصمة جغرافية أو عاطفية.
أما في حال التعرض لأي شكل من أشكال الاعتداء، فقد رسمت الكبسولة مسارا واضحا للتعامل يبدأ بكبح رد الفعل العاطفي وعدم الرد على المهاجم، ليتجه فورا نحو التوثيق الدقيق عبر حفظ لقطات شاشة لكل الأدلة الرقمية، مع التأكد من ظهور البيانات التقنية مثل التاريخ واسم المرسل. وبالتوازي مع ذلك، جاءت خطوات الحماية الفورية مثل حظر الشخص المسيء وتعزيز أمان الحسابات.
ولم تترك المبادرة الضحية في مواجهة المحنة وحدها، بل وجهتها نحو خطوة محورية هي كسر حاجز الصمت واللجوء إلى شبكة الدعم، بدءا من المحيط الموثوق في الأسرة والمؤسسة التعليمية عبر المختص الاجتماعي أو الإدارة، الذين يمكنهم تقديم الدعم النفسي الأولي والتوجيه. وأكدت أن المسار قد يتطلب، في الحالات الأكثر خطورة مثل الابتزاز أو التهديد، التصعيد نحو السلطات الرسمية المختصة – الأمن الوطني أو الدرك الملكي والنيابة العامة – مزودة بالأدلة الموثقة، مع التركيز على أن الإبلاغ ليس خطوة إدارية فحسب، بل هو فعل علاجي نفسي يسهم في إغلاق ملف الأذى وطيّ صفحة الصدمة. واختتم هذا المسار العملي بالتأكيد على أهمية عدم إغفال الجانب النفسي وطلب الدعم المتخصص للتعافي من الآثار العميقة التي قد يخلفها العنف الرقمي.
هذه الكبسولة،التي من المنتظر توزيعها عبر القنوات الرقمية الرسمية للمديرية الإقليمية ولقنوات اتصال المؤسسات التعليمية، لم تكن حدثا منعزلا، بل هي حلقة في مسار طويل من الانخراط الواعي، والذي يؤكد على الدور المنوط بالمدرسة العمومية، تحت إشراف وزارة التربية الوطنية، كمحرك للتنمية المجتمعية وكمختبر لبناء ثقافة رقمية أخلاقية…وبهذه الخطوة، تساهم ثانوية ابن سليمان الرسموكي التقنية في ترجمة الشعارات الوطنية والإستراتيجيات الحكومية لمحاربة العنف إلى أفعال ملموسة، وتمكين جيل قادر على استثمار الفرص الهائلة للعالم الرقمي، مع الانتباه إلى مخاطره ودرئها بوعي وثقة.


التعاليق (0)