تشهد العديد من القرى والمداشر في جهة سوس ماسة تحولات ديمغرافية متسارعة بفعل موجة الهجرة، وهي ظاهرة اتسعت رقعتها في السنوات الأخيرة لتشمل مناطق جديدة، خصوصا في الأطلس الصغير، حيث باتت الهجرة خيارا جماعيا للعديد من الأسر التي غادرت منازلها نحو الحواضر بحثا عن شروط عيش أفضل.
وتشير العديد من الشهادات المحلية إلى أن دواوير كانت تعج بالحياة تحولت اليوم إلى مناطق شبه مهجورة، بعد أن اتخذت أسر بأكملها قرار الهجرة، سواء داخل جهة سوس ماسة أو نحو مدن أخرى، تاركة وراءها مداشر لم تعد تقطنها سوى قلة قليلة من السكان.
وتتوافق هذه المعطيات مع أرقام الإحصاء العام الأخير للسكن والسكنى، الذي أشار إلى تراجع الساكنة القروية في نصف جهات المملكة، حيث لم يعد عدد سكان العالم القروي يتجاوز 13 مليونا و710 آلاف نسمة، مقارنة بـ 22 مليونا و969 ألف نسمة مستقرة في الوسط الحضري.
ورغم أن الهجرة ظلت دائما ملازمة لهذه المنطقة، إلا أن التغيرات المناخية التي عرفتها خلال السنوات الأخيرة رفعت من وتيرتها، في ظل التراجع الملحوظ للأنشطة الفلاحية المعيشية، والتي كانت تمثل عماد الاقتصاد القروي.
وإلى جانب ذلك، ساهم تطلع السكان إلى تحسين أوضاعهم الاجتماعية في تعزيز رغبتهم في الرحيل، خاصة مع افتقار القرى إلى خدمات تعليمية وصحية توازي ما هو متوفر في المدن، وهو ما جعل هذه الأخيرة أكثر جاذبية من القرى المهمشة.
وفي هذا السياق، صرح محمد أفقير، رئيس جماعة النحيت بإقليم تارودانت، بأن “الهجرة كانت دائما ملازمة لهذه المناطق، غير أن المستجد اليوم هو الانتقال من هجرة جزئية لأرباب ومعيلي الأسر إلى هجرة كاملة المعالم”.
وأوضح أفقير أن “من بين خصائص هذه الموجة الجديدة من الهجرة أن جزءا منها موجه إلى المناطق الحضرية والسهلية الواقعة في تراب جهة سوس ماسة، التي كثيرا ما تستقطب الراغبين في الاشتغال في الضيعات الفلاحية”.
وأشار الباحث في التنمية إلى أن هذا الواقع أدى إلى “خلق مداشر شبه فارغة، لا تعود لها الحركية إلا في فترة الصيف”، معتبرا أن “عودة الأمور إلى نصابها شمال تارودانت، على سبيل المثال، تبقى رهينة بتحسن الوضعية المناخية، بما يسمح بضمان استقرار الأسر، مع تقريب الخدمات العمومية من المواطن”.
وأمام هذا النزيف البشري المتواصل، تقف القرى الجبلية في سوس ماسة عند مفترق طرق حاسم، بين استمرار واقع التهميش والفراغ، وبين أمل في انبعاث جديد يبنى على سياسات تنموية حقيقية تنصف الإنسان القروي وتنهض بالمجال الذي يعيش فيه.
التعاليق (0)