تصدر قضية الصحراء المغربية المشهد الدبلوماسي الدولي، محققة تحولًا نوعيًا في موازين القوى لصالح المغرب. تكشف التطورات الأخيرة عن اصطفاف ثلاث من أقوى دول العالم — الولايات المتحدة، فرنسا، وبريطانيا — بشكل علني إلى جانب الموقف المغربي. يأتي ذلك بينما تكتفي قوى كبرى أخرى، كروسيا والصين، بموقف الحياد، مما يضع الجزائر في موقف دبلوماسي يفتقر إلى دعم دولي مؤثر، رغم جهودها المكثفة.
تعززت مكانة المغرب دوليًا بدعم غربي صريح وحاسم، بدأت بوادرها في عام 2020 عندما اعترفت الولايات المتحدة الأمريكية بسيادة المغرب على الصحراء. لم يأتِ هذا الاعتراف بشكل منفصل، بل ارتبط بصفقة استراتيجية شملت جوانب اقتصادية وأمنية، رسخت من مكانة المغرب كشريك إقليمي محوري في المنطقة. تبعت فرنسا الموقف الأمريكي بدعمها المتكرر والصريح لمقترح الحكم الذاتي المغربي، في خطوة أكدت موقفها الثابت بعد فشل الضغوط الدبلوماسية الجزائرية في محاولة لتغيير الموقف الأوروبي. حديثاً، جاء تأييد بريطانيا ليكمل هذا المثلث الغربي الداعم للمغرب. يمثل هذا التوافق بين القوى الغربية الكبرى تحولًا جيوسياسيًا هامًا، يعزز الموقف المغربي ويضع تحديات جديدة أمام الدبلوماسية الجزائرية التي تسعى لحشد الدعم لموقفها.
تدفع عوامل متعددة هذه القوى الكبرى نحو دعم الموقف المغربي. تتداخل المصالح الاقتصادية المرتبطة بالغاز والتجارة، بالإضافة إلى قضايا الأمن الإقليمي، مما يجعل استقرار المغرب ووحدته الترابية خيارًا مفضلًا لهذه الدول. كذلك، ترى هذه القوى في مبادرة الحكم الذاتي المغربية حلاً سياسيًا واقعيًا وذو مصداقية لتسوية هذا النزاع الإقليمي، بعيدًا عن الدعوات التقليدية التي أثبتت عدم جدواها. تبرز هذه التحولات أيضًا في سياق تقييم الرواية الجزائرية التي لم تتمكن من كسب تعاطف دولي واسع النطاق، مما أضعف من قدرتها على حشد الدعم لموقفها في المحافل الدولية.
اتخذت كل من روسيا والصين موقفًا محايدًا تجاه قضية الصحراء المغربية، وهذا الحياد له دلالات واضحة للجزائر. لم تصوت أي منهما ضد الموقف المغربي في قرارات الأمم المتحدة، واكتفتا بالامتناع عن التصويت. يعكس هذا الموقف عدم وجود دعم مباشر وصريح للجزائر في هذه القضية، رغم العلاقات التاريخية بين الجزائر وكل من موسكو وبكين. كما يشي هذا الحياد بعدم رغبة هاتين القوتين في الدخول في مواجهة دبلوماسية مباشرة مع القوى الغربية بشأن قضية لا تعتبرانها أولوية استراتيجية عليا تستدعي تغيير موازين القوى الدولية الكبرى.
تجد الجزائر نفسها اليوم أمام تحديات دبلوماسية متزايدة، بعد تضاؤل فرص الحصول على دعم صريح من حلفائها التقليديين. تدفع هذه الظروف الدبلوماسية الجزائر نحو البحث عن حلفاء جدد أو تعزيز علاقاتها مع دول إفريقية محددة، في محاولة للحصول على اعترافات سياسية، حتى لو كانت رمزية. رغم ذلك، تواصل الجزائر دعم جبهة البوليساريو، بما في ذلك الدعم العسكري، إلا أن هذه الجهود لم تؤد إلى تغيير جوهري في موازين القوى على الأرض أو في المشهد الدبلوماسي العام للقضية.
يمثل هذا الاصطفاف الدولي انتصارًا دبلوماسيًا واضحًا للمغرب. يمنح دعم دول الفيتو وزنًا قانونيًا وسياسيًا كبيرًا للموقف المغربي، مما يعزز شرعية مبادرة الحكم الذاتي التي قدمها المغرب كحل للنزاع. على الصعيد الاقتصادي، تساهم الاستثمارات المتزايدة من الشركات العالمية في المغرب، بدعم من الاستقرار السياسي والموقف الدولي، في تعزيز مكانته الاقتصادية. في المقابل، تواجه الجزائر تحديات اقتصادية قد تتفاقم بفعل عزلة دبلوماسية متزايدة. كما تكتسب الرواية المغربية حضورًا أكبر وتصديرًا أوسع عبر المنصات الإعلامية العالمية، مما يعزز فهم موقفها دوليًا ويسهم في حشد مزيد من الدعم.
التعاليق (0)