عمر أوزكان: إطار فاعل مدني وناشط حقوقي.
تعتبر جماعة سيدي أحمد أوموسى من الجماعات القروية الفريدة، بموقعها على وادي تازروالت الخصيب، على الطريق الرابطة بين تيزنيت وتافراوت بانحراف على مستوى تيغمي. وإرثها الثقافي، والحضاري العريق، كونها محجا لعدد من المتصوفة، والعلماء، والفقهاء.. الذين يقصدونها من مختلف المناطق داخل المغرب وخارجه. وتستقبل سنويا أكثر من مليون زائر، وسائح فقط في موسم/ألموكار غشت، يحجون إليها سنويا، رغبة في زيارة موسم سيدي أحمد أوموسى، باعتباره أكبر ملتقى ديني، واقتصادي، ومجالي، بجنوب المغرب. لما من مكانة، ولما يؤديه من وظائف حيوية (دينية، روحية، اقتصادية، اجتماعية، وثقافية…) في حاضر، وذاكرة ساكنة جنوب المغرب منذ مستهل القرن الرابع عشر الهجري.
ويعزى ذلك لمكانة الروحية لزاوية الشيخ سيدي أحمد أوموسى، التي ساهمت في إشهار منطقة تازروالت/جماعة سيدي أحمد أوموسى، لما لها من إشعاع علمي وديني، ارتباط منذ قرون، وفي المقام الأول، بواحد من أكبر شيوخ التصوف بالمغرب. ويعرف تنظيم الموسم تنشيط ترابي، ورواج اقتصادي…إلا أنه يتجاوز ذلك لذى ساكنة تازروالت، إلى تحقيق الانتماء، والارتباط العميق بالمنطقة، وذاكرتها العظيمة، إلى جانب أدواره الدينية، والاجتماعية، كونه حاملا للمعايير، والقيم الاجتماعية، التي تميز المجتمع الأمازيغي السوسي، وحاضنة لتمتلاثه حول الدين، والدنيا، وصمام أمان يحفظ الاستقرار الروحي في وجه هزات التطرف، إلى جانب كونه وسيلة للتنشئة الاجتماعية، والتربية الروحية، لدى الساكنة بمجال سوس المغتربين منهم بديار المهجر بأوروبا، وبباقي دول العالم، أو المهاجرين منهم لباقي بلدات ومدن المغرب.
وفي خضم الإشعاع الديني الكبير الذي تحققه المواسم الأربعة التي تحتضنها تازروالت، وعلى رأسها موسمي شهر غشت، فإن الآلاف من أبناء المنطقة/أحفاد سيدي أحمد أوموسى، وزوار المنطقة يحجون سنويا لتازروالت لإحياء الأجواء الروحانية لمواسم سيدي أحمد أوموسى، التي تعتبر مجحا مقدسا، تعاقبت عليه أجيال كثيرة، لما يقارب خمسة قرون، وتلقت أنماط التدين المعتدل، وتناقلت منه القيم الروحية، إلى جانب ما يوفره من فرص انعاش الحركة الإقتصادية. وتحقق زياراتهم المنتظمة تعزيز أواصر التضامن، وصلة الرحم، رغم ما تعانيه المنطقة من تحديات التهميش، والهدر الغير المبرر لفرص للتنمية، في العقد الأخير من التدبير العشوائي لشؤون جماعة تازروالت المنكوبة.
فعلى الرغم من العناية السامية التي يوليها جلالة الملك نصره الله وأيده لزاوية سيدي أحمد أوموسى، والذي يرسل سنويا وفدا ساميا يترأسه السيد الحاجب الملكي لزيارة زاوية سيد أحمد أوموسى، مع ما يرافق ذلك من تقديم هباته السخية…إلا أن الواقع المؤلم لجماعة سيدي أحمد أوموسى يعكس أزمة بنيوية عميقة وخطيرة، أساسها هدر الفرص الثمينة لتنمية المنطقة، تكشفها مؤشرات فاضحة، تئن تحت وطئتها ساكنة تازروالت. وفي مقدمتها التغاضي عن المشاكيل الحقيقية، وفي مقدمتها مشكل تراكم أطنان النفايات الصلبة/الأزبال سنويا بالواحة، وعدم تقوية شبكة الكهرباء، وضعف شبكة الهاتف، وضعف الإنارة العمومية، بل وغيابها في مسالك حساسة، مما يشكل خطرا على الساكنة المحلية، وفي مقدمتها دوار سيدي علي أولحسن، وأيت عروس إسوة بتولاك، والقصبة إزدار، والدرب، أيت بو أزك، تيكدمين، إليغ… التي فقدت ساكنته الثقة في الجماعة، إسوة بباقي الدواوير التي ضاقت درعا من تهور وعبث المسيرين للجماعة، التي فقدت بوصلة التنمية منذ أمد بعيد.
وجدير بالذكر أن منطقة تازروالت تزخر بمؤهلات فلاحية مهمة، منها استقرار الفرشة المائية، وواحة كبيرة وغنية، وبنية سكانية مهمة، توفر يد عاملة نشيطة، اضطرتها الظروف الصعبة، والتهميش، وتفشي الفقر، للهجرة القسرية، للاشتغال في المجال الفلاحي بضيعات اشتوكة… على الرغم مما توفره واحة تازروالت من فرص ثمينة مهدورة، نتيجة تبخر البرامج الوهمية الموعودة للمكتب المسير للجماعة في تنمية نمط معيشة السكان، وتطوير الأنشطة المدرة للدخل في إطار خلق فرص تنموية…
وقد فشلت الجماعة في تنزيل البرامج التي تبجح بها رئيس الجماعة منذ سنة 2014، نتيجة ضعفه، وعدم امتلاكه لرؤية واضحة، وافتقاره لإليات بلورة مخطط مضبوط، فتبخرت نتيجة لذلك آمال ساكنة تزروالت في الظفر بثمار التنمية المحلية، وفشل توسيع موسم سيدي أحمد أو موسى، والمحافظة على خصوصياته وطابعه وأهدافه. ينضاف لذلك انخراط الجماعة في عرقلة المجتمع المدني، بعد فشل محاولات استمالته، وتسييسه. فتبخرت مجهودات المجتمع المدني الجاد في تنظيم أنشطة ثقافية موازية للموسم، كتنظيم ندوات علمية عن ذاكرة وموروث المنطقة، وتعثرت مختلف مجالات التنشيط كتنظيم التبوريدة، لما تبرزه من أدوار اضطلع بها أحفاد سيدي أحمد أوموسى، الذين طالما انخرطوا في إصلاح ذات البين، وفض الخلافات الأسرية والقبلية، عبر ترسيخ وتثبيت وتمثين الصلح بينها، وتوحيدها وتعبئتها في مقاومة المستعمر.
ومن المظاهر الخطيرة المسجلة بتزروالت، محاولات رئيس الجماعة تسييس التنشيط الديني بموسم سيدي أحمد أوموسى، ومحاولة إقحامه في مربع الحساسيات السياسية، من خلال تسييره لرابطة شرفاء سيدي أحمد أوموسى خارج الضوابط القانونية، مع ما تراكم عن ذلك من اختلالات خطيرة، تهدد البعض بالمتابعة. وقد تم استغلال المشهد لتحقيق مآرب سياسوية ضيقة، سرعان ما تبخرت، وهي محاولات وصفها عموم ياكنة جماعة سيدي أحمد أوموس بالفاشلة، واليائسة لإفراغ موسم سيدي أحمد أوموسى من أهدافه، وأدواره، وتعطيل وظائفه، وهو ما احتج بشأنه نشطاء المجتمع المدني بتازروالت بحرقة في مناسبات كثيرة.
وفي مقابل ذلك، فإن جماعة سيدي أحمد أوموسى تستفيد من موارد مهمة، تدرها المواسم الأربعة التي تنظم بتازروالت، خصوصا موسم شهر غشت الذي تخطى إشعاعه وشهرته حدود الوطن. إلا أن الاستعدادات للموسم على مستوى الجماعة في السنوات العشر الأخيرة مخجلة، ورديئة جذا، ولا ترقى لشهرة الموسم وإشعاعه، وعمر تنظيمه الذي يتعدى أربعة قرون، وهو وضع مهين، وغير لائق، بما يجب أن يحظى به استقبال زوار موسم سيدي أحمد أوموسى. وينضاف لذلك غياب تواصل الجماعة مع الساكنة، التي فشلت فشلا دريعا في بلورة أي برنامج إجتماعي وتنزيله، رغم تبجح رئيس الجماعة بالتخطيط لتعبئة الشركاء لتنزيل برنامج اجتماعي، وآخر ثقافي، ورياضي.
ويرى الخبراء، والمختصون أن الواقع المرير لجماعة سيدي أحمد أوموسى يكذب كل الادعاءات. وقد تم تسدجيل تفويت فرص ثمينة لتنمية محلية حقيقية وشاملة. وهو ما رسخ قناعة لدى ساكنة تازروالت، عن تفاهة ما يسوق له السياسيين محليا، في ظل ما يتعرض له عصب المنطقة -الواحة- من تدمير ممنهج نتبجة إهمال متعمد ، مما أدى إلى تدهور الواحة بشكل عام، وتحولها من مجال حيوي لتنمية السياحة القروية والبيئية…، إلى فضاء تسلل له شبح النفايات الصلبة، بكميات مهولة، بعد انتهاء كل موسم، منا يعرض الساكنة الواحة لمشاكل عويصة، وعمق أزمة عجزها عن درء لأخطار تغلغلت في كل مجال. وأمام زحف هذا الشبح القاتل، اندثرت العديد من الصناعات التقليدية ويعكسه بشكل جلي حجم المعروضات بموسم غشت في السنوات العشر الأخيرة. وفي ظل هذا التدهور، وغياب إرادة حقيقية لدى المجلس الحالي للجماعة، وافتقار لمخططات ناجعة، وبرامج حقيقة بدل ما يسوق له، تستحضر إرث ومؤهلات تازروالت على جميع المستويات، والأصعدة – الثقافية، البيئية، والاجتماعية، والروحية…- في تنسيق تام مع المجتمع المدني، والفاعلين والشركاء، في أطار شراكات تستجيب لنداءات ساكنة جماعة سيدي أحمد أوموسى، بما يستحضر خصوصيات ذاكرتها العريقة، وإرثها الحضاري، وحاجياتها الاجتماعية، مع مراعاة خصوصياتها المجالية، البيئية منها، والاجتماعية، والثقافية…ستبقى جماعة تازروالت فاقدة للبوصلة، ومنكوبة، وغارقة في غياهب التهميش، والتخلف، والضياع!