بين الحقيقة والدعاية: حين تتحدث أمينتو حيدار باسم الجزائر ضد وطنها

خارج الحدود

بقلم : أحمد بومهرود باحث في الإعلام و الصناعة الثقافية

في كل مرة تلوّح فيها الجزائر بأوراقها القديمة في ملف الصحراء المغربية، تُبعث من جديد وجوه “حقوقية” تصنعها الدعاية الجزائرية داخل مختبراتها الإعلامية. آخرها تصريحات أمينتو حيدار، التي خرجت من مدريد هذا الأسبوع لتعيد تكرار الأسطوانة المشروخة عن “حق تقرير المصير” و”الاحتلال المغربي”، وكأنها ناطقة باسم النظام العسكري الجزائري لا باسم سكان الأقاليم الجنوبية الذين اختاروا مغربيتهم بوعي وكرامة.
الحديث عن “احتلال” مغربي للصحراء ليس سوى تزوير للتاريخ. فالمغرب لم يأتِ إلى الصحراء غازيًا أو محتلًا، بل استعاد أراضيه المغتصبة من الاستعمار الإسباني بفضل المسيرة الخضراء سنة 1975، والتي شارك فيها مئات الآلاف من المغاربة سلمياً حاملين القرآن والعلم الوطني، في واحدة من أندر حالات التحرير السلمي في العالم. هذه الحقيقة التاريخية لا يمكن محوها بخطابات ممولة أو شعارات متجاوزة.

  • من حقوق الإنسان إلى أجندة سياسية

من المؤسف أن تتحول شخصية تدّعي الدفاع عن حقوق الإنسان إلى بوق سياسي يخدم أجندة دولة معادية. فخطاب أمينتو حيدار، الذي يصور المغرب كقوة قمعية، يتجاهل عن عمد التنمية غير المسبوقة التي تعرفها الأقاليم الجنوبية: من البنية التحتية المتقدمة، إلى الجامعات والمستشفيات، وصولاً إلى المشاريع الكبرى في العيون والداخلة التي جعلت المنطقتين قاطرتين للتنمية الإفريقية.
أين كانت “المدافعة عن الكرامة” عندما اختارت الأمم المتحدة والمجتمع الدولي دعم مبادرة الحكم الذاتي المغربية سنة 2007، بوصفها الحل الواقعي والجاد الوحيد لإنهاء هذا النزاع المفتعل؟ ولماذا لا تشير أبداً إلى أن مخيمات تندوف، التي ترفع شعار “الحرية”، تعيش منذ عقود خارج أي رقابة دولية، في ظروف مأساوية وغياب تام لحقوق الإنسان، تحت هيمنة البوليساريو وجيش الجزائر؟

  • تقرير المصير أم استمرار الأزمة؟

إن الدعوة المستمرة إلى “تقرير المصير” ليست سوى غطاء لتكريس الانفصال وتقسيم الدول، في وقت تجاوز فيه العالم مثل هذه المشاريع الانفصالية التي لا تخدم سوى زعزعة الاستقرار. فالمغرب لا يرفض حق الصحراويين في تقرير مصيرهم، بل يمنحهم هذا الحق فعلياً من خلال الحكم الذاتي، الذي يضمن لهم تدبير شؤونهم المحلية في إطار سيادة وطنية موحدة.
في المقابل، تصر بعض الأصوات المرتبطة بالجزائر على استغلال المنابر الدولية لتشويه صورة المغرب، متناسية أن الجزائر هي الطرف الحقيقي في النزاع، والممول الأول لجبهة البوليساريو، والمستفيد الأكبر من استمرار التوتر في المنطقة.

  • بين الواقع والدعاية

من يعيش في الأقاليم الجنوبية يدرك حجم التناقض بين خطاب حيدار والواقع الملموس على الأرض. مدن مثل العيون والداخلة أصبحت فضاءات مزدهرة للاستثمار والسياحة، ومراكز جذب للشباب الصحراوي الباحث عن العمل والكرامة. بينما يعيش آلاف الصحراويين في تندوف بلا هوية ولا أمل، رهائن في أيدي جماعة لا تمثلهم.
أما الحديث عن “قمع اقتصادي”، فهو محاولة يائسة لتشويه الإنجازات التنموية التي تشهد بها المؤسسات الدولية. فالمغرب، الذي ضخّ مليارات الدراهم في مشاريع البنية التحتية، لا يمكن أن يُتهم بأنه يخنق منطقته الجنوبية، بل على العكس، هو الذي جعلها نموذجًا في التنمية الإفريقية.

  • خلاصة القول

إن تصريحات أمينتو حيدار لا تعبّر عن موقف حقوقي بقدر ما تعبّر عن اصطفاف سياسي واضح خلف النظام الجزائري، الذي فشل في إقناع المجتمع الدولي بروايته. المغرب ماضٍ في مشروعه الوطني بثقة، في ظل دعم متزايد من القوى الإقليمية والدولية لمبادرة الحكم الذاتي كحل وحيد واقعي للنزاع.
ويبقى السؤال: كيف يمكن لمن تعيش في المغرب وتأكل من خيراته أن تتحدث عن “احتلال”؟ أليس من التناقض أن تتمتع بكامل حريتها داخل وطن تزعم أنه يقمعها؟
في النهاية، الحقيقة لا تُطمس بالدعاية. الصحراء مغربية كانت وستبقى، بإرادة شعبها وتاريخها وشرعيتها القانونية والسياسية. أما الأصوات المأجورة، فمصيرها أن تُنسى كما نُسيت كل الدمى التي سبقتها في مسرحية الانفصال.

التعاليق (0)

اترك تعليقاً