بقلم: أحمد بومهرود باحث في الإعلام و الصناعة الثقافية
عرف المغرب خلال الأيام الماضية أحداثًا مؤسفة تمثلت في خروج بعض المسيرات التي تحولت في بعض المناطق إلى شغب منظم، تخللته أعمال تخريب ونهب وحرق للممتلكات العامة والخاصة. هذه الأحداث، وإن بدت في ظاهرها تعبيرًا عن غضب اجتماعي مشروع، إلا أن طريقة تنفيذها وحجم الأضرار التي خلفتها تطرح أكثر من سؤال حول الأيادي الخفية التي حاولت الركوب على مطالب الشعب وتحويلها إلى منصة لنشر الفوضى وضرب استقرار البلاد.
- بين النقد المشروع والفوضى المرفوضة
لا يختلف اثنان في أن المغرب، مثل باقي دول العالم، يواجه تحديات اجتماعية واقتصادية حقيقية: غلاء المعيشة، ضعف الخدمات الصحية، مشاكل التعليم وفرص الشغل. وهذه التحديات تولّد لدى المواطنين حالة من التذمر والاحتقان، وهو ما يترجم أحيانًا إلى احتجاجات سلمية تعكس حاجة الناس إلى صوت مسموع واستجابة واقعية.
غير أن ما وقع مؤخرًا تجاوز حدود الاحتجاج المشروع، ليتحول إلى اعتداء على الممتلكات وتخريب للمؤسسات وحرق للمقاهي والمحلات التجارية، بل وصلت الجرأة إلى حد اقتحام متاجر الذهب وتفجير قنينات الغاز. هذه الممارسات لا علاقة لها بالحق في التظاهر أو الدفاع عن الحقوق، بل هي جرائم متكاملة الأركان في حق الوطن والمواطن.
- المندسون… دمى في خدمة أجندات خارجية
الخطير في أحداث المغرب الأخيرة هو بروز فئة من المندسين الذين اندسوا وسط المحتجين السلميين، واستغلوا حماس الشباب وغضبهم لجرّهم إلى العنف. هؤلاء ليسوا سوى أدوات رخيصة في يد خصوم الوطن، يُستعملون لنشر الفوضى وضرب صورة المغرب في الخارج.
فبينما يخرج مواطن صادق يطالب بالصحة والتعليم والكرامة، يظهر من بين الصفوف من يسعى لتخريب صيدلية أو سرقة محل تجاري. وبينما يرفع شاب لافتة سلمية، يندس آخر بوجه مغطى يحمل قنينة حارقة أو عصا غليظة. هذه الأساليب تكشف بوضوح أن بعض الأطراف تتحرك وفق خطة مدروسة، هدفها تشويه أي حراك اجتماعي وتحويله إلى أداة في حرب بالوكالة ضد المغرب.
- الحرب الإعلامية وتضليل الرأي العام
لا يمكن فصل ما وقع في الشارع المغربي عن الحملات الإعلامية التي رافقته. فمنصات التواصل الاجتماعي وبعض وسائل الإعلام الأجنبية سارعت إلى نشر صور قديمة أو مفبركة، وتضخيم الأحداث بطريقة ممنهجة، لتصوير المغرب وكأنه يعيش فوضى شاملة. هذه الحرب الإعلامية، التي تتزامن مع كل لحظة توتر اجتماعي، تكشف عن وجود لوبيات منظمة تسعى لزعزعة الاستقرار وتشويه صورة المملكة في الخارج.
- الوعي الشعبي… صمام الأمان
رغم كل محاولات الاختراق، أثبت الشعب المغربي وعيًا عميقًا، حيث ميز بين الاحتجاج السلمي المشروع وبين التخريب الهادف إلى الفوضى. وارتفعت أصوات كثيرة تؤكد: “ننتقد الأوضاع ونطالب بالإصلاح، لكننا لا نقبل أن نصبح أدوات في يد أجندات أجنبية، ولا أن نسمح للمندسين بأن يشوهوا صورة مطالبنا.”
هذه المواقف العفوية من الشارع المغربي هي صمام الأمان الحقيقي، وهي الدليل على أن المغاربة يدركون أن حب الوطن والحرص على استقراره لا يتناقض مع المطالبة بالحقوق، بل يحميها من الانحراف.
- مسؤولية الدولة والفاعلين السياسيين
ما حدث يضع أمام الدولة ومؤسساتها مسؤوليات مضاعفة. فالمرحلة تقتضي:
-تطبيق القانون بحزم ضد كل من تورط في التخريب والنهب والاعتداء على الممتلكات.
-الإنصات للمطالب الاجتماعية وتقديم أجوبة عملية تعكس اهتمام الدولة بانشغالات المواطنين.
-تجديد أدوار الأحزاب السياسية التي يجب أن تستعيد ثقة الشارع عبر التأطير الجاد لا الغياب المريب.
-انخراط المثقفين والنخب في حماية النقاش العمومي من التزييف والتضليل.
-حضور الجمعيات المدنية في الميدان لتأطير الشباب وتحصينهم من الاستغلال.
- لا وقت للتجاذبات السياسية
المغرب اليوم في حاجة إلى وحدة صف، وليس إلى تراشق سياسي أو تسجيل نقاط ضيقة. اللحظة لحظة صيانة الوطن، وليست لحظة مزايدات حزبية أو حسابات انتخابية. فالوطن يتسع للاختلاف، لكن لا يحتمل التفكك ولا يسمح بتسلل الفوضى.
- خاتمة: إصلاح تحت سقف الوطن
الأحداث الأخيرة هي جرس إنذار للجميع: للدولة بضرورة الإصغاء، وللنخب بضرورة القيام بأدوارها، وللمواطنين بضرورة حماية مطالبهم من الاختطاف. فالنقد حق مشروع، والإصلاح ضرورة وطنية، لكن التخريب والفوضى هما خيانة للوطن.
المغاربة اليوم يقولون بوضوح: نريد إصلاحًا يعالج مشاكلنا، لكن لن نقبل أن نكون دمى في يد أعداء الوطن، ولن نسمح للمندسين بأن يحولوا غضبنا إلى سلاح ضد بلدنا.
الوطن خط أحمر، وصيانته أولوية تتجاوز كل الحسابات.