انتخابات 2021 بين السقوط و الصعود
شهد المغرب مؤخرا انتخابات تشريعية و جهوية و محلية لأول مرة في التاريخ المعاصر للمملكة، هذه الانتخابات التي اجمع جل المراقبين الدوليين و المحليين على نزاهتها، انتخابات نتج عنها زلزال سياسي و شعبي لحزب العدالة و التنمية، الذي مني بخسارة تاريخية لفائدة حزب التجمع الوطني للأحرار الذي يراسه رجل الاعمال عزيز اخنوش المعروف بقربه من القصر الملكي، فالحزب الحاكم لمدة عشرة سنوات لم يحصد في هذه الانتخابات سوى 13 مقعدا، الامر الذي شكل صدمة لدى جميع متتبعي الشأن العام المحلي و الدولي في وقت كان يرشحه جل المحللين السياسيين لإمكانية الفوز أو الحلول في المراتب الأولى على الأقل،
فحزب العدالة و التنمية الذي تصدر المشهد السياسي و الحزبي لمدة عقد من الزمن، لم يكن ليتصدر نتائج الانتخابات في سنة 2011 و سنة 2016 لولا ظهور الربيع العربي و حركة العشرين من فبراير، الامر الذي دفع القصر إلى إجراء تعديلات دستورية، منحت صلاحيات موسعة للحكومة، وإن ظل الملك يحتفظ بسلطة القرار في القضايا الاستراتيجية للبلاد،
جاءت انتخابات سنة 2021 لتشكل منعطفا جديدا في إطار الأحزاب المشكلة للائتلافات الحكومية بالمغرب، فمنذ عقود لم نشهد ائتلافا حكوميا مكونا من الأغلبية البرلمانية التي تحظى بها الحكومة المنتظر تعيينها، فمع غياب معارضة قوية للحكومة قد تجد نفسها في مواجهة الشارع، املا في تحقيق معارضة شعبية بدلا عن المعارضة البرلمانية الغائبة.
و في ما يلي ابراز المحطات لما قبل الانتخابات و بعد الانتخابات:
صراع على قاسم انتخابي على المقاس :
تمثل الانتخابات لدى جميع الفرقاء السياسيين اداة لتحقيق الديموقراطية التمثيلية، اذ ان رهانها الاساسي يتمثل في بناء نظام ديموقراطي عبر انتخابات تمثيلية نزيهة و شفافة، تمكن المواطنين من اختيار من يمتلهم و يعبر غن رغباتهم و مطالبهم بفعالية.
شكل النقاش حول القاسم الانتخابي احد متلازمات فترة ما قبل اجراء الانتخابات او حتى بدء الحملة الانتخابية، فقد جاء ليكشف طبيعة و اسباب الصراع، لأن كل فريق يريد بناء النظام الديموقراطي على مقاسه و تبعا لمصالحه و رهاناته، مما يقود الى تبني فرضية الصراع حول الديموقراطية و ليس صراعا من اجلها، فحزب العدالة و التنمية رفض رفضا منقطع النظير تطبيق القاسم الانتخابي نظرا لكونه قد يمثل انتكاسة و خسارة للحزب في الانتخابات فقد أكد انه المستهدف الأساسي من هذه العملية الجديدة، اما باقي الأحزاب الأخرى فقد أعطت إشارات مابين السلبية و الإيجابية إزاء تطبيق القاسم الانتخابي.
فحزب العدالة و التنمية ظل طيلة مدة تداول القانون الجديد متمسكا بالقاسم الانتخابي بناء على عدد الاصوات الصحيحة، لانه يدرك جيدا ان هذا المعيار يضمن له المرتبة الاولى، وبالتالي رئاسة الحكومة للمرة الثالثة على التوالي، و كان هذا الاحتمال يشكل خطورة كبيرة ليس فقط على العملية الانتخابية في غياب التداول الصحيح على السلطة، و انما على الوضع العام بالبلاد نتيجة عدم مراعاة السياقات الدولية و الجهوية و الاقليمية و التي تمتاز بحساسيات شديدة اتجاه التجارب الدينية و السياسية و الفكرية و الايديولوجية، فالخطورة تتمثل في إمكانية فقدان الحزب لذاته قدرته على الترافع و الابتعاد عن المجتمع من خلال التعايش مع أجواء الحكم.
على الطرف الاخر ظهر تمسك كبير بالقاسم الانتخابي الجديد بناء على عدد المسجلين من طرف الأحزاب السياسية اللبيرالية و المتوسطة ، لما كان يعنيه لهم من استحالة حصول لائحة معينة على اكثر من مقعد في كل دائرة انتخابية أي فقدان العدالة و التنمية لا كثر من 25 مقعد، الامر الذي أدى فعلا بالحزب بخسارة مدوية في الانتخابات ليس فقط من حيث عدد المقاعد بل على مستوى القاعدة الانتخابية كذلك.
أحزاب سياسية متهالكة، و أخرى في طور الانعتاق
يتشكل المشهد الحزبي بالمغرب من أحزاب لها تاريخ و وزن كبير داخل الساحة السياسية بالمغرب، فحزب العدالة و التنمية الذي تأسس سنة 1967 وذلك بعد انشقاق داخل الحركة الشعبية قاده زعيم الحزب آنذاك ورئيس البرلمان المغربي الدكتور عبد الكريم الخطيب يوم امتنع عن موافقة ملك البلاد لإعلانه حالة الاستثناء وهو الأمر الذي لم يرق للقصر فقام بالتضييق على الخطيب وبالتالي حصول الانشقاق وبعدها سيعرف الحزب مسارا مسدودا بحيث مورست حوله مجموعة من العراقيل دفعته للانسحاب من الساحة السياسية اما حزب التجمع الوطني للاحرار فقد تأسس عقب الانتخابات التشريعية سنة 1977 ، حيث أقدم عدد كبير من النواب المستقلين الذين يشكلون أغلبية في البرلمان المغربي آنذاك على تأسيس الحزب ذو الأفكار الليبرالية، اما احزب الاصالة و المعاصرة فقد خرج من رحم حركة كل الديمقراطيين التي أسسها الراجل القوي و القريب بشكل كبير من الملك محمد السادس فؤاذ عالي الهمة، ليتم بعد ذلك تشكيل حزب الجرار في السابع من غشت 2008، ، ليضم عدد كبيرا من الشخصيات التكنوقراطية واليساريين القدامى، حيث جوبه تأسيسه بمناهضة الأحزاب التقليدية الكبرى التي اعتبرته استمرارا لما يعرف بـالأحزاب الإدارية داخل الساحة السياسية، أما الحزب التاريخي “حزب الاستقلال” فقد تأسس على يد علال الفاسي و عدة شخصيات وطنية سنة 1943، ليكون الحزب الذي شارك في مرحلة ما قبل استقلال المغرب و مرحلة ما بعد الاستقلال، إضافة الى هذه الأحزاب الأربعة هناك حزب الاتحاد الاشتراكي و الحركة الشعبية الاتحاد الدستوري…..
الصراع الليبرالي-الاسلاموي
شكلت فترة ما قبل الانتخابات الأخيرة فترة صراع كبير بين تيارين سياسيين، تيار ليبيرالي يتزعمه حزب التجمع الوطني للأحرار و تيار اسلاموي يتزعمه حزب العدالة و التنمية، لتشهد المرحلة استقطابات سياسية كبيرة و متنوعة، فالحزبان المتحالفان في الحكومة السابقة، أعطوا إشارات بنهاية التحالف فور نهاية العملية الانتخابية، نظرا لتظافر عدة أسباب منها ما هو أيديولوجي و ما هو سياسي-اقتصادي، أدت الى صراعات علنية و سرية بين قيادات الحزبين التنظيمات الموالية على ارض الواقع و على مواقع التواصل الاجتماعي، ليكون خروج الأمين العام السابق لحزب العدالة و التنمية عبد الاله بن كيران النقطة التي افاضت الكأس بشكل كبير، بالإضافة الى تبادل الخطابات حادة بين الطرفين، ، أعطت انطباعا عاما حول ما ستؤول اليه نتائج صناديق الاقتراع .
فعلى مر تاريخ المغرب الحديث كانت علاقة اللبيراليين بالاسلاميين علاقة تشوبها عدة مخاطر، فمنذ حكومة عبد الاله بن كيران الأولى ظهر نوع من التشنج السياسي بين الطرفين الا انه و نظرا للأوضاع السياسية و الاجتماعية و الاقتصادية لتلك المرحلة لم يكن بإمكان هذا الصراع ان يخرج الى حيز الوجود، و خلال الفترة الثانية لحكم العدالة و التنمية خرجت بوادر الصراع بين الحزبين الى العلن، بوادر صراع سياسي و اجتماعي كان الطرف الخاسر منها بالأساس هو المواطن البسيط.
صعود اللبيرالية و اذلال للإسلاميين
لقد افرزت صناديق الاقتراع ليوم الثامن من شتنبر 2021، نتائج أظهرت السخط الشعبي الكبير على حزب العدالة و التنمية الذي قاد المرحلة السابقة، اذ لم يكن اكبر المتشائمين ينتظر نتيجة كهذه لحزب راهن كثيرا على قاعدته الكبيرة لاكتساح الانتخابات، فكانت السقطة بمثابة زلزال سياسي كبير يمكن تدريسه في ابجديات العمل الانتخابي و السياسي، فالحزب الذي تبوأ المرتبة الأولى ب 125 مقعدا في انتخابات 2016 لم يحصل الاعلى 13 مقعدا في الانتخابات الأخيرة، و لكم ان تتصوروا هذا الفارق الكيبر، في مقابل ذلك كان هناك صعود كبير للحزب الليبرالي التجمع الوطني للأحرار الذي لم يشكل مفاجأة كبيرة للعارفين بخبايا العمل السياسي بالمغرب، فهذا الحزب الذي سعى الى قيادة الحكومة المغربية منذ مدة طويلة اضحى اليوم في مركز القرار السياسي بحصوله على 102 مقعدا، يحظى بدعم كبير من رجال الاعمال و يوصف كذلك بقربه من القصر الملكي، و قد شارك في الائتلاف الحكومي السابق مع حزب العدالة و التنمية و قد حقق وزرائه نتائج ملموسة و جيدة في جميع القطاعات الإنتاجية التي كلفوا بإدرتها، هذا الفوز الذي حققه الحزب في الانتخابات التشريعية، لم يكن الا طريقا لاكتساح اخر على المستوى الجهوي و المحلي دون نسيان النجاح الكبير المحقق في انتخابات الغرف المهنية، فكل هذا ساهم في فوز الحزب بالرتبة الأولى و قيادة الحكومة الجديدة.
تعيين و اعلان الحكومة، و ابراز التحديات
مباشرة بعد الإعلان عن النتائج النهائية للانتخابات التشريعية و المحلية و الجهوية استقبل الملك رئيس حزب التجمع الوطني للأحرار عزيز اخنوش و عينه جلالته رئيسا جديدا للحكومة و مكلفا بتشكيلها، لتبتدئ سلسلة أخرى من المشاورات مع الأحزاب السياسية التي حصدت مقاعدا بالبرلمان، و في الأخير استقر رئيس الحكومة المعين على التحالف مع حزب الاصالة و المعاصرة و حزب الاستقلال مما سيعطي للحكومة قوة اكبر داخل المؤسسة التشريعية بأغلبية اكثر من مريحة ستمكنها من تمرير القرارات بطريقة سهلة دون أي حرج أو أي بلوكاج داخل القبة التشريعية، و الملفت للنظر ان الحكومة التي تم تعيينها يوم السابع من الشهر الجاري عرفت بقاء أربعة وزراء في مناصبهم، في مقابل 20 وزيرا جديدا، كان فيها نصيب بارز للعنصر النسوي و الشباب، و يتضح من التركيبة الحكومية الجديدة ان المهمة الأولى ستكون نحو اقلاع اقتصادي و اجتماعي لتحسين الوضع المعيشي والاقتصادي للمواطن المغربي و مجابهة مخلفات جائحة كوفيد _19 التي اضرت كثيرا بالاقتصاد الوطني بالإضافة الى الملفات الثقيلة التي تركتها الحكومة السابقة، فضلا عن الوفاء بالوعود الانتخابية المعلن عنها سابقا، كل هذا لن يتم الا بالدخول في حوار جدي مع النقابات و مع اطياف المجتمع المغربي اذ بات الحوار المجتمعي ركيزة أساسية للاستقرار السياسي الذي بدوره يطمئن المستثمرين خاصة الأجانب، ومن هنا فالحرص متبادل بين كافة أطياف المغاربة على تحقيق السلم الاجتماعي .
الحسن محتي
يشار إلى أن المقال يعبر عن آراء كاتبه فقط