جاء في تقرير للبنك الدولي “Au Marc on contrôle trop mais on contrôle mal “، إنه تقرير لا يعود لهذه السنة ولا حتى السنة الماضية. بل هذا ما جاء في تقرير يعود لتسعينيات القرن الماضي. فرغم التعقيدات التي تطرحها الإدارة أمام ملفات المرتفقين وكثرة الوثائق المطلوبة بُغية مزيد من الضبط وتفادي التزوير والاحتيال على القوانين، فهذا لم يمنع من الوقوع في حالات من الغش في الوثائق والتزوير طال حتى عقارات بملايين الدراهم، تم السطو عليها بغير وجه حق، بل من العقارات ما تم السطو عليه وتسجيله وتحفيظه وهو ما جعل المحاكم المختصة في وضع لا تحسد عليه أمام مثل هذه الملفات.
وضعية الإدارة تطرق لها تقرير النموذج التنموي الجديد واعتبرها إحدى المعيقات الأربعة في وجه التنمية والتي لخصها في: غياب رؤية تنموية شاملة ومندمجة – تعثر التحول الاقتصادي – الشعور بضعف الحماية وعدم القدرة على التنبؤ الذي يحد من المبادرات وأخيرا محدودية قدرة القطاع العمومي في تنفيذ خدمات عمومية ذات جودة. وتتلخص محدودية القطاع العمومي في: ضعف استشارة المواطنين، ضعف في التتبع والتقييم وأخيرا تسيير من القمة إلى القاعدة.
خلال هذه السنة قامت الحكومة بإجراءات جذرية وجريئة لتبسيط المساطير وتقليص الوثائق المطلوبة للمرتفقين وعدد النسخ. وحسنا فعلت لأن كثرة الوثائق وعدد النسخ التي لا نعرف لما تليق ولا مصيرها ولا كيفية تخزينها، لم تساهم في تجويد الضبط الإداري بل شكلت لعقود مصدر عناء وإرهاق للمواطنين. ومع جائحة كوفيد19 تمكنت بلادنا من تسريع وتيرة التحول الرقمي، الأمر الذي ساهم إلى حد بعيد في تبسيط ولوج المرتفقين للوثائق الإدارية وساهم كذلك في تدعيم الشفافية التي من شأنها تقليص محاولات الغش والتزوير في الوثائق.
هذا ما ذهب إليه كذلك تقرير السيد شكيب بنموسى حين حدد خمس رافعات أساسية لإطلاق النموذج التنموي وجعل على رأسها الرقمنة. وتتلخص تلك الرافعات الخمس في: 1) الرقميات كرافعة للتحول السريع، 2) جهاز إداري مؤهل وفعال، 3) تأمين الموارد الضرورية لتمويل مشاريع التحول، 4) إشراك مغاربة العالم للاستفادة من معارفهم وشبكاتهم وخبراتهم 5) تعبئة علاقات التعاون مع الشركاء الأجانب. وبذلك يكون تقرير النموذج التنموي الجديد قد وضع الأصبع على مكمن الخلل والأعطاب التي تعاني منها الإدارة العمومية. كما أبرز التقرير طريقة تجاوز هذه الأعطاب بتسريع التحول الرقمي وتعميمه على جميع الإدارات. لكن وكما يعرف الجميع، التنمية ليست أجهزة رقمية لبناء العمران، بل هي كذلك برامج وتحفيزات لبناء الإنسان. والتوازن بين البنائين العمراني والإنساني هو النموذج الناجح وهو ما يطمح له المواطن المغربي.
سعيد الغماز