بقلم: أحمد بومهرود باحث في الإعلام و الصناعة الثقافية
يعكس اعتماد المغرب لمنظومة أمنية شاملة ومندمجة لتأمين منافسات كأس إفريقيا للأمم لكرة القدم 2025 رؤية استراتيجية متقدمة في تدبير التظاهرات الرياضية الكبرى، تقوم على الاستباق، والتنسيق متعدد المستويات، وتوظيف التكنولوجيا الحديثة، بما يعزز مكانة المملكة كوجهة آمنة وقادرة على احتضان الأحداث القارية والدولية الكبرى.
- مخطط أمني استثنائي يواكب حجم التظاهرة
مع اقتراب موعد انطلاق المنافسات، شرعت المديرية العامة للأمن الوطني في تنزيل مخطط أمني غير مسبوق، يستجيب لتعقيدات تظاهرة بحجم كأس أمم إفريقيا، سواء من حيث الكثافة الجماهيرية المرتقبة، أو البعد الدولي للمنافسة، أو تعدد المدن والفضاءات المحتضنة للفعاليات الرياضية.
وفي هذا السياق، قام المدير العام للأمن الوطني ولمراقبة التراب الوطني، عبد اللطيف حموشي، بجولة ميدانية تفقدية بالمركب الرياضي الأمير مولاي عبد الله بالرباط، مرفوقًا بوالي أمن الرباط ومسؤولين أمنيين مركزيين، للاطلاع على آخر الترتيبات الأمنية وبروتوكولات السلامة المعتمدة لتأمين مباراة الافتتاح. وتعكس هذه الزيارة المقاربة القيادية الميدانية التي تعتمدها المؤسسة الأمنية، والقائمة على التتبع الدقيق والتنزيل العملي للخطط المبرمجة.
- الأمن يبدأ من الحدود: إجراءات استباقية بالمطارات ونقط العبور
وقبل انطلاق صافرة البداية بأسابيع، دخلت المنظومة الأمنية حيز التنفيذ عبر إجراءات استباقية دقيقة شملت المطارات الدولية ونقط العبور الحدودية، باعتبارها خط الدفاع الأول في تأمين التظاهرة. فقد رفعت المديرية العامة للأمن الوطني، بتنسيق وثيق مع المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني وباقي المصالح المعنية، مستوى اليقظة الأمنية بهذه المرافق الاستراتيجية، من خلال تعزيز شرطة الحدود بموارد بشرية متخصصة وتجهيزات تقنية متطورة.
وشملت هذه التدابير اعتماد آليات متقدمة للمراقبة الوثائقية والاستعلامية، وتكثيف التحريات القبلية، وتفعيل التنسيق المسبق وتبادل المعطيات مع الأجهزة الأمنية للدول المشاركة، إلى جانب تخصيص مسارات تنظيمية خاصة داخل المطارات لتيسير عبور المشجعين الأجانب والوفود الرسمية، وضمان انسيابية الحركة دون الإخلال بصرامة المعايير الأمنية المعتمدة في التظاهرات الكبرى.
- مقاربة ميدانية شمولية داخل الملاعب ومحيطها
وتقوم المنظومة الأمنية المعتمدة على مقاربة شمولية تبدأ من تأمين تدفق الجماهير نحو الملاعب، مرورًا بحماية المنشآت الرياضية ومحيطها الخارجي، وصولًا إلى ضمان أجواء تنافسية آمنة داخل المدرجات. وقد جرى إحداث قاعات قيادة وتنسيق متطورة مرتبطة بشبكة كاميرات مراقبة عالية الدقة، تتيح التدخل الفوري والاستباقي عند رصد أي تهديد محتمل.
كما تم إحداث مفوضيات شرطة دائمة داخل الملاعب، تتولى تدبير مختلف الوضعيات الأمنية، وتضمن التطبيق الصارم للقوانين والتشريعات الخاصة بالأمن الرياضي.
- محاكم وخلايا قضائية داخل الملاعب: حزم قانوني وردع فوري
وفي سابقة تعكس صرامة المقاربة القانونية المعتمدة، جرى إحداث خلايا أمنية وقضائية داخل الملاعب ومحيطها المباشر، تمكّن من التفعيل الفوري للمساطر القانونية في حق كل من يثبت تورطه في أعمال عنف أو شغب أو تخريب أو سلوكيات تمس النظام العام. ويهدف هذا الإجراء إلى تكريس مبدأ عدم الإفلات من العقاب، وتعزيز الردع القانوني، وترسيخ ثقافة الانضباط داخل الفضاءات الرياضية.
- الأمن السيبراني: تحصين الفضاء الرقمي للتظاهرة
وبموازاة التأمين الميداني، أولت المنظومة الأمنية أهمية خاصة للأمن السيبراني، باعتباره أحد التحديات الحديثة المرتبطة بالتظاهرات الرياضية الكبرى. فقد جرى تأمين الأنظمة المعلوماتية المرتبطة بتدبير المنافسات، بما يشمل شبكات المراقبة، وأنظمة بيع التذاكر، ومنصات الولوج والاعتماد، وقواعد المعطيات الحساسة، تحسبًا لأي اختراقات إلكترونية أو محاولات تشويش رقمية.
ويعكس هذا التوجه إدراكًا مؤسساتيًا بأن الأمن الرياضي لم يعد حكرًا على المجال الفيزيائي، بل أصبح يشمل الفضاء الرقمي، ما يستدعي جاهزية تقنية عالية وتنسيقًا محكمًا بين المصالح الأمنية المختصة في محاربة الجرائم الإلكترونية.
- تعاون أمني إفريقي ودولي غير مسبوق
ومن أبرز ملامح هذا المخطط، إحداث مركز للتعاون الشرطي الإفريقي، يضم ممثلين عن الأجهزة الأمنية للدول المشاركة، إلى جانب ممثلين عن الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا)، والكونفدرالية الإفريقية لكرة القدم، والمنظمة الدولية للشرطة الجنائية (إنتربول)، فضلًا عن خبراء أمنيين من دول راكمت تجارب رائدة في تأمين التظاهرات الكبرى، مثل قطر وإسبانيا والبرتغال. ويجسد هذا الإطار التعاوني انخراط المغرب في منظومة الأمن الجماعي وتبادله للخبرات والمعلومات.
- تأهيل الموارد البشرية وتكامل المتدخلين
وفي إطار تعزيز الأمن الرياضي، عملت المديرية العامة للأمن الوطني على الارتقاء بالمصالح المكلفة بالمواكبة الأمنية للتظاهرات الرياضية، من خلال دعمها بموارد بشرية مؤهلة، ووسائل لوجيستيكية حديثة، واعتماد هوية بصرية تنظيمية واضحة. كما جرى تعزيز شرطة الحدود، والمساهمة في تكوين وتدريب العناصر المدنية المكلفة بتأمين الملاعب من الداخل ، بما يضمن تكامل الأدوار بين مختلف المتدخلين.
- نموذج أمني متكامل يعزز إشعاع المملكة
وتندرج هذه المقاربة الأمنية المندمجة ضمن رؤية شمولية تروم إنجاح كأس إفريقيا للأمم رياضيًا وتنظيميًا، وتعزيز صورة المغرب كبلد مستقر وآمن، قادر على رفع التحديات المرتبطة بتنظيم أكبر التظاهرات القارية. كما تعكس التزام المديرية العامة للأمن الوطني بضمان سلامة المواطنين والضيوف الأجانب، وتأمين انسيابية السير والجولان، وتوفير الظروف المثلى للاحتفال بالكرة الإفريقية في أجواء يسودها الأمن والطمأنينة.
وبذلك، يشكل النموذج الأمني المغربي المعتمد في كأس إفريقيا للأمم 2025 مرجعًا متقدمًا في تدبير الأمن الرياضي، وخطوة إضافية في مسار ترسيخ إشعاع المملكة قاريا ودوليًا.


التعاليق (0)