بقلم : أحمد بومهرود باحث في الإعلام و الصناعة الثقافية
تتواصل إشادة المنتظم الدولي بالدور الريادي الذي يضطلع به المغرب في مجال مكافحة الإرهاب وتعزيز الأمن الإقليمي في إفريقيا، وهو ما جدد مكتب الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب التأكيد عليه بالرباط يوم الإثنين 6 شتنبر 2025 بمناسبة الذكرى الخامسة لتأسيس مكتب برنامجه للتدريب في إفريقيا، الذي يتخذ من الرباط مقراً له منذ سنة 2020.
ففي بلاغ رسمي صدر اليوم الاثنين، وصف المكتب الأممي الشراكة مع المملكة المغربية بأنها “متواصلة ومتينة”، مؤكداً أن هذه التجربة النموذجية أضحت مرجعاً قارياً في دعم الأمن والاستقرار، وتعزيز قدرات الدول الإفريقية على مواجهة التحديات الأمنية المتنامية.
- الرباط.. منصة إقليمية للخبرة الأمنية
منذ إحداثه في السادس من أكتوبر 2020، تحول مكتب برنامج الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب والتدريب في إفريقيا بالرباط إلى منصة رائدة لتكوين الكفاءات الإفريقية، حيث استفاد من برامجه التدريبية المتخصصة أكثر من 1000 مسؤول يمثلون 34 دولة إفريقية.
وقد شمل هذا التكوين مختلف المجالات المرتبطة بمكافحة الإرهاب، من الأمن الحدودي وتحليل المعلومات الاستخباراتية إلى التصدي للتطرف العنيف عبر مقاربات إنسانية وتنموية.
هذا الحضور المغربي القوي في صلب المبادرات الأممية لم يأتِ من فراغ، بل يجسد رؤية استباقية وضعها جلالة الملك محمد السادس، تقوم على أن الأمن لا ينفصل عن التنمية، وأن مكافحة الإرهاب تمر عبر الاستثمار في الإنسان والتعاون جنوب–جنوب.
- منصة مراكش.. فضاء للتعاون الإفريقي المشترك
من أبرز ثمار هذه الشراكة تنظيم أربع دورات من الاجتماع رفيع المستوى لرؤساء وكالات مكافحة الإرهاب بإفريقيا، المعروف بـ”منصة مراكش”، التي أضحت فضاءً قارياً لتبادل الخبرات وتعزيز التنسيق العملياتي بين الأجهزة الأمنية والاستخباراتية في القارة.
وقد مكّنت هذه المنصة، التي تحتضنها المملكة المغربية، من ترسيخ ثقافة التعاون الإقليمي ومواجهة التهديدات الإرهابية وفق مقاربة جماعية، تراعي الخصوصيات الوطنية للدول الإفريقية وتستند إلى التجارب الناجحة للمغرب في المجال الأمني.
- رؤية مغربية تتجاوز الأمن إلى التنمية
ولا يقتصر الدور المغربي على البعد الأمني البحت، بل يمتد إلى دعم الدول الإفريقية في بناء استراتيجيات وطنية مستدامة لمكافحة الإرهاب، تتماشى مع قرارات مجلس الأمن الدولي ومع مقتضيات القانون الدولي.
فمن خلال الدورات التكوينية والدعم التقني، أسهم المكتب الأممي بالرباط، بشراكة وثيقة مع السلطات المغربية، في نشر الممارسات الفضلى وتعزيز قدرات المؤسسات الأمنية والمدنية في التعامل مع ظاهرة الإرهاب من منظور شامل، يدمج الوقاية والتأهيل وإعادة الإدماج.
- شراكة نموذجية تعكس الثقة الدولية في المغرب
ويجمع المراقبون على أن احتضان المغرب لأول مكتب إقليمي للأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب في القارة الإفريقية يؤكد المكانة الدولية المتميزة للمملكة كشريك موثوق للأمم المتحدة، وقوة إقليمية فاعلة في تثبيت الأمن والاستقرار.
فالتعاون المغربي–الأممي في هذا المجال لم يعد مجرد التزام دبلوماسي، بل أصبح رافعة استراتيجية لبناء إفريقيا آمنة ومزدهرة، تنطلق من التضامن الفعلي والتعاون العملي بين دول الجنوب.
ومع حلول الذكرى الخامسة لتأسيس هذا المكتب الأممي بالرباط، تتجدد القناعة بأن المغرب لا يكتفي بمكافحة الإرهاب، بل يسهم في بناء نموذج إفريقي للأمن المشترك والتنمية المستدامة، نموذج يقوم على القيم ذاتها التي جعلت من المملكة جسراً بين الشمال والجنوب، ومنارة للتعاون الدولي القائم على الثقة والمسؤولية.