المسيرة السوداء.. جرح في الذاكرة المغربية

أخبار وطنية

بقلم : أحمد بومهرود باحث في الإعلام و الصناعة الثقافية

في خريف سنة 1975، وبينما كان المغاربة يحتفلون بملحمة المسيرة الخضراء التي أعادت الصحراء إلى حضن الوطن، كانت مأساة إنسانية أخرى تتشكل على الحدود الشرقية للمملكة. هناك، على الأراضي الجزائرية، انطلقت ما عُرف بـ”المسيرة السوداء”، حيث أقدمت السلطات الجزائرية على طرد عشرات الآلاف من المغاربة في عملية وُصفت آنذاك بأنها أكبر تهجير قسري في تاريخ المنطقة المغاربية الحديث.

  • تهجير جماعي في ظرف أيام

بقرار سياسي مفاجئ، تم طرد ما يزيد عن 75 ألف عائلة مغربية، أي ما يقارب 350 ألف شخص، كانوا يعيشون في الجزائر منذ عقود. معظمهم وُلدوا هناك، ساهموا في بناء الاقتصاد الجزائري بعد الاستقلال، وارتبطت حياتهم بالمكان والناس. لكنهم وجدوا أنفسهم فجأة في العراء، يُساقون نحو الحدود تحت حراسة مشددة، دون السماح لهم بحمل ممتلكاتهم أو حتى وداع جيرانهم.

  • شهادات مؤلمة

يروي بعض من عاشوا تلك اللحظات أن الشاحنات كانت تنقل العائلات من بيوتها مباشرة إلى الحدود المغربية، حيث تُترك في العراء على مشارف وجدة وفكيك. هناك، كانت قوات مغربية ومواطنون متطوعون يستقبلون المطرودين وسط البرد القارس والدموع.
تقول إحدى الناجيات: «لم نكن نصدق أننا سنُطرد من بلد كنا نظنه شقيقًا. تركنا كل شيء خلفنا… المنزل، الذكريات، وحتى قبور أحبائنا.»

  • قرار سياسي بثمن إنساني

جاء هذا الطرد الجماعي في سياق توتر سياسي بين الرباط والجزائر عقب إعلان المغرب تنظيم المسيرة الخضراء، إذ اعتبرت الجزائر ذلك خطوة أحادية في قضية الصحراء. غير أن الثمن كان باهظًا، إذ دفعه الأبرياء الذين لا ذنب لهم سوى أنهم مغاربة يعيشون في الجهة الأخرى من الحدود.

  • فعل لا يليق بإنسان ولا بأخٍ في الدين

لقد كانت تلك الأفعال صدمة لكل من سمع بها أو عاشها، إذ لا يمكن لمثل هذه الممارسات أن تصدر عن إنسان سويّ.
فـهذه الأفعال الشنيعة لا يقدم عليها حتى الأعداء في الحروب، فكيف ببلد مسلم تجاه إخوة في الدين وأبناء عمومة تجمعهم رابطة الدم واللغة والمصير؟
من يعوّض هؤلاء عن أموالهم التي تركوها، وأبنائهم الذين افترقوا عنهم، وأزواجهم الذين لم يتمكنوا حتى من وداعهم؟ إنها أسئلة لا تزال تُطرح إلى اليوم، تبحث عن عدالة غابت وسط صمت التاريخ.

  • الذاكرة لا تموت

بعد مرور خمسين عامًا تقريبًا، ما زال جرح المسيرة السوداء مفتوحًا في الذاكرة الوطنية المغربية. جمعيات حقوقية وأسر المتضررين ما تزال تطالب بفتح الملف رسميًا، ورد الاعتبار للضحايا، والاعتراف بما جرى كجريمة إنسانية في حق آلاف الأبرياء.

  • دعوة إلى المصالحة والإنصاف

رغم قسوة الحدث، ظل المغرب متمسكًا بخيار الوحدة والمصالحة، مؤمنًا بأن العلاقات بين الشعبين المغربي والجزائري يجب أن تبنى على الأخوة، لا على حسابات السياسة الضيقة. فالتاريخ، مهما اشتدت صفحاته سوادًا، يبقى درسًا للأجيال القادمة كي لا تتكرر المآسي، وتظل قيم الجوار والأخوة أقوى من كل خلاف.

  • رأي خبير

وفي هذا السياق، يؤكد احد الباحثين في العلاقات المغاربية أن “المسيرة السوداء تمثل محطة مؤلمة في الذاكرة الجماعية، لكنها في الوقت نفسه تبرز مدى تلاحم الشعب المغربي وقدرته على تحويل الألم إلى قوة وحدة وتضامن”.
وأضاف أن “الرهان اليوم ليس في استحضار الجراح فقط، بل في بناء مستقبل مغاربي يقوم على احترام الإنسان أولًا، وعلى تجاوز منطق العقاب الجماعي الذي لا يليق بشعبين تجمعهما أواصر الدم والدين والتاريخ المشترك”.

التعاليق (0)

اترك تعليقاً