شدد المجلس الأعلى للسلطة القضائية، وفق تقريره السنوي لسنة 2024، على التزامه الدستوري بتخليق المرفق القضائي وربط المسؤولية بالمحاسبة، عبر حزمة قرارات تأديبية وإدارية وُصفت بالحاسمة، استهدفت صون شرف المهنة وتحصين ثقة المتقاضين في استقلال القضاء ونزاهته.
في الجانب التأديبي، قرر المجلس عزل ثلاثة قضاة بعد دراسة معمقة لملفاتهم وفق المساطر القانونية المعمول بها، تأكيداً على أن كل إخلال بأخلاقيات المرفق القضائي يواجه بعقوبات رادعة. وعلى مستوى التدبير القضائي، تقرر إعفاء تسعة قضاة من مهام النيابة عن مسؤوليهم القضائيين (خمسة في دورة يناير وأربعة في دورة شتنبر)، بناءً على تقييم دقيق للأداء ومتطلبات الحكامة الرشيدة داخل المحاكم. كما شمل الإعفاء من بعض المهام القضائية المحددة 11 قاضياً (سبعة في يناير وأربعة في شتنبر)، إما بطلب منهم أو باقتراح من رؤسائهم المباشرين، بما يضمن الملاءمة بين التخصص والكفاءة وحاجات المرفق.
ولتعزيز الشفافية ومحاربة أي تضارب محتمل للمصالح، أولى المجلس أهمية خاصة لتتبع الوضعية المالية للقضاة؛ إذ كُلّفت المفتشية العامة للشؤون القضائية بتتبع ثروة تسعة قضاة، وبإجراء تقدير للثروة لدى 12 قاضياً آخرين. ويهدف هذا الإجراء إلى التحقق من اتساق الممتلكات مع مصادر الدخل المشروعة، باعتباره ركيزة أساسية في استراتيجية تخليق العدالة وتحصينها من الشبهات.
أما على صعيد الموارد البشرية، فشهدت سنة 2024 مغادرة 35 قاضياً وقاضية للسلك القضائي، توزعت على: الإحالة على التقاعد (13 حالة)، التقاعد النسبي (9 حالات)، العزل (3 حالات)، التقاعد الحتمي (حالة واحدة)، الانقطاع عن العمل (حالتان)، الوفاة (5 حالات)، والاستقالة (حالتان). وتبرز هذه الأرقام دينامية التجديد داخل الجسم القضائي، بما يواكب حاجات المحاكم ويعزز فعالية الأداء وجودة الخدمة القضائية.
تؤكد هذه الحصيلة أن المجلس الأعلى للسلطة القضائية يترجم مبادئ الدستور إلى إجراءات ملموسة، تمزج بين الصرامة في التأديب والصرامة في الحكامة، وبين المواكبة الإدارية ودينامية تدبير الموارد البشرية. والغاية، في النهاية، بناء جسم قضائي كفء ونزيه وموثوق، يضمن الأمن القضائي للمتقاضين، ويُكرّس استقلال القضاء باعتباره صمام أمان دولة القانون.
التعاليق (0)