المجتمع المدني المغربي وتحديات الإسهام في إنجاح التظاهرات الرياضية الكبرى

أكادير الرياضي

بقلم: أحمد بومهرود باحث في الإعلام و الصناعة الثقافية

يستعد المغرب خلال الشهور القادمة لاحتضان تظاهرتين رياضيتين من الطراز العالمي: كأس إفريقيا للأمم 2025، ومونديال 2030 الذي سينظمه بشراكة مع إسبانيا والبرتغال. وهي محطة تاريخية لا تختبر فقط جاهزية البنيات التحتية، بل تضع المجتمع ككل أمام امتحان التعبئة والانخراط الجماعي.
فبينما تُسابق الدولة الزمن لتأهيل الملاعب، تجهيز المطارات، وتطوير الفنادق والنقل، يظل الفاعل المدني والمجتمعي، الغائب الأكبر عن الصورة، رغم أنه مكوّن أساسي في إنجاح هذه المحطات.

  • الدولة تجهز… والمجتمع المدني مطالب بالانخراط

المجهودات الرسمية التي تبذلها الدولة مشهودة ومقدّرة. لكن، مهما بلغت درجة التجهيز والتأهيل، فإن الوجه الحقيقي للمغرب لن يراه الضيف في الحجر، بل في البشر: في سائق الطاكسي، نادل المقهى، موظف الاستقبال، البائع في السوق، المشجع في الملعب، والشرطي في الشارع.
من هنا، تظهر أهمية المجتمع المدني ليس فقط كفاعل مباشر في التنظيم، بل أيضًا كجسر للتواصل والتحسيس والتكوين، خصوصًا للفئات التي ستتعامل يوميًا مع الضيوف.

  • تموين وتحسيس الفاعلين: مسؤولية جماعية

لا يمكن تصور إنجاح هذه التظاهرات دون تعبئة شاملة وعريضة لكل المتدخلين، من مهنيين ومواطنين، وتشمل على الخصوص:
-سائقو الطاكسي والنقل العمومي: دورهم يتجاوز النقل إلى الاستقبال الأولي، ولغتهم وسلوكهم تترك الانطباع الأول لدى الزائر.
-القطاع الفندقي والسياحي: العاملون في الفنادق والمطاعم مطالبون بفهم تنوع الزوار، ومعرفة خصوصياتهم الثقافية، واحترام المعايير الدولية في التعامل.
-أصحاب المقاهي والمحلات التجارية: يجب تحسيسهم بأهمية حسن التعامل، وعدم استغلال المناسبة في رفع الأسعار أو تقديم خدمات ضعيفة الجودة.
-الباعة في الأسواق: من الضروري أن يدركوا أن الزائر ليس فقط “زبونًا”، بل “سفيرًا” سينقل تجربته إلى بلده، سلبًا أو إيجابًا.
-الملعب والمشجعون: الجمهور هو جزء من صورة البلد. يجب تحسيسه بأهمية الروح الرياضية، والابتعاد عن الشغب أو التصرفات غير اللائقة.
-رجال الأمن والمراقبة: تدريب خاص على التعامل مع الجماهير متعددة الجنسيات، باحترام واحترافية.
وهنا يأتي دور المجتمع المدني في قيادة حملات تكوين وتحسيس، بالشراكة مع الجماعات المحلية، والقطاعات الوزارية، ومؤسسات الإعلام

  • أدوار منتظرة من المجتمع المدني
  1. المساهمة في التكوين والتحسيس: تنظيم ورشات ودورات تكوينية موجهة للمهنيين والمواطنين في المدن المستضيفة.
  2. المشاركة في التطوع والمواكبة الميدانية: تكوين فرق متطوعين لمرافقة الضيوف، تقديم المعلومات، وتسهيل التنقل.
  3. تنظيم أنشطة ثقافية وسياحية موازية: استثمار الحدث لتعريف العالم بغنى وتنوع الثقافة المغربية.
  4. مواكبة نقدية بناءة: رصد النقائص واقتراح حلول في إطار مواطنة فاعلة ومسؤولة.
  • ريادة مغربية تُلهم القارة… ومجتمع مدني مطالب بالتألق

في الوقت الذي يُجمع فيه العالم، وخاصة إفريقيا، على الإشادة بالريادة المغربية في مختلف المجالات (من التنمية إلى السلم، ومن الهجرة إلى التعاون جنوب-جنوب)يواصل المغرب ترسيخ مكانته كقوة ناعمة ملهمة، تحت القيادة المتبصرة لجلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده، الذي يقود البلاد بحكمة وثبات نحو المجد والازدهار.
وفي هذا السياق، فإن المجتمع المدني المغربي، بما يحمله من تراكمات وتجارب غنية، مدعو اليوم لأن يواكب هذا الزخم الملكي والدبلوماسي، وأن يبرهن للعالم أجمع أن كرم الضيافة المغربي ليس مجرد شعار، بل ممارسة يومية متجذّرة في القيم والتقاليد. كما أن حسن الاستقبال، والاحترام، والتعامل النبيل، يجب أن تكون سمات بارزة في كل من سيتعامل مع ضيوف المملكة، ليعكس الوجه الحضاري لمغرب متشبث بهويته، ومنفتح على العالم في آنٍ واحد.

  • نحو مقاربة تشاركية حقيقية

لا يكفي أن تقوم الدولة بكل شيء، ولا يمكن للمجتمع المدني أن يشتغل في فراغ. بل لابد من مقاربة تشاركية فعلية، تدمج الجميع في التحضير والاستعداد. مطلوب من السلطات فتح قنوات الحوار والتمويل والدعم، كما أن على الفاعلين المدنيين أن يُظهروا الجاهزية والمبادرة.

  • خاتمة

أمام المغرب فرصة نادرة ليتحول إلى نموذج إفريقي وعالمي في التنظيم الرياضي الحضاري. لكن نجاح هذه الفرصة لا يقاس فقط بعدد الملاعب أو دقة الجداول الزمنية، بل بمدى جاهزية الإنسان المغربي ليكون في مستوى الحدث.
فإذا كانت الدولة قد وفرت الأرضية، فإن المجتمع المدني، بكل أطيافه، مطالب اليوم بالتحرك، والتعبئة، والمساهمة، من أجل أن يكون الحدث حدثًا وطنيًا بامتياز، لا تظاهرة تمرّ وتُنسى.

التعاليق (0)

اترك تعليقاً