كما وعدنا قراءنا الأفاضل في موضوعنا السابق ، حول “الحق في الصحة” والذي إختتمناه بسؤال ، حول طبيعة الأزمة التي يعانيها قطاع الصحة ببلادنا ، وهل يمكن حصرها في مجرد قصور في القانون أم في القيم وأموأزمة أشكال الممارسة الطبية أم أزمة ندرة الكفاءات الطبية؟ أم هي أعمق من كل ماذكر ؟
هذا ماسنتناوله في شقنا الثاني من الموضوع ، حول العمل الطبي وإشكال ممارسته وتحدياته.
من المقرر أن المقتضيات التشريعية والتنظيمية التي جاء بها القانون رقم 94/10 ، تهدف الى إلزام توجيه الممارسة الطبية بما يضمن إحترام مبادئ وآداب مهنة الطب ، خاصتا ، الاستقلال المهني وحرية اختيار الطبيب المعالج والابتعاد عن الأشكال التجارية .
وفي إطار هذه المبادئ السامية لمهنة الطب ، ساتطرق عزيزي المتلقي الى حدود التداخل ما بين الطبيب الموظف أي أطباء القطاع العام عموما ومابين الطبيب الحر الممارس في إطار عملية النيابة عن زميله أو في إطار المصحات الخاصة والحدود القانونية لكلا الشكلين من الممارسة الطبية .
و بخصوص النيابة عن الأطباء والتي نظمهاةالمشرع المغربي في الفصول من 29 الى 36 من القانون رقم 94/10 ، حيث جاء الفصل 29 واضحا بالقول : ” لا يجوز لأي طبيب أن يعين للنيابة عنه مؤقتا في عيادته ، إلا زميلا من زملائه حاصلا على رخصة النيابة صالحة لمدة سنة تسلم الى الطالب المتوفرة فيه الشروط في المواد الواردة بعده .
ويجب على الطبيب المناب عنه أن يشعر بذلك المجلس الجهوي لهيئة الأطباء الوطنية قبل بداية النيابة .”
وبالرجوع الى الفصل 31 من ذات القانون نجده يتص على أنه :” يسمح للأطباء الموظفين بمزاولة العمل في القطاع الخاص في إطار النيابة ، وتسلم إليهم لهذه الغاية رخصة النيابة بعد الإطلاع على القرار الصادر بمنحهم إجازة إدارية ، ولا تكون رخصة النيابة صالحة إلا لمدة الإجازة الإدارية ، ويخضع الأطباء الموظفون عند قيامهم بعمل من أعمال النيابة للنصوص التشريعية والتنظيمية المتعلقة بمزاولة مهنة الطب في القطاع الخاص .”
وأضافت المادة 32 القول بأنه : ” يسلم رئيس المجلس الجهوي رخصة النيابة ويجددها بعد الإطلاع على طلب وملف تحدد الإدارة شكلها ومضمونها بعد إستطلاع رأي هيئة الأطباء الوطنية ، وتبين في رخصة النيابة طبيعة أعمال النيابة المرخص فيها …”
وقد إعتبر المشرع المغربي عقد الإنابة عقدا شكليا حسبما نص عليه الفصل 36 من القانون 10/94 حيت أكدت على أنه :” يجب أن تكون أعمال التيابة التي تزيد مدتها عن شهر محل عقد يبرم وفق عقد نمودجي تعده هيئة الأطباء الوطنية وتبين فيه بوجه خاص التزامات الطرفين المتبادلة ، ويؤشر على العقد المذكور رئيس المجلس الجهوي المختص .”
من خلال ما اترناه من مقتضيات قانونية وفي خضم معالجة موضوعنا من الناحية القانونية ، نستنتج أن المشرع المغربي قيد عمل الطبيب الموظف ( أي التابع للقطاع العام ) في إطار نيابتهة عن زميله في القطاع الخاصل بالشروط الآتية :
– ضرورة حصوله على رخصة ادارية.
– عدم تجاوز الرخصة لمدة إجازة الطبيب .
خضوع الطبيب النائب من القطاع العام للضوابط القانونية المنظمة لمهنة الطب في القطاع الخاص .
غير أن الواقع يطرح مشاكل عديدة خاصة في إطار الخصاص الكبير الذي تعاني منه مستشفياتنا ليس فقط بالنسبة لاطباء الطب العام بل التخصصات و التخدير ، فالقول بأن رخصة النيابة الممنوحة لطبيب القطاع العام لتعويض زميله في القطاع الخاص خلال مدة اجازته هي رخصة قابلة للتجديد ، فهل تمدد داخل الاجازة أم خارجها فضلا عن ضرورة تحديد طبيعة أعمال النيابة المرخص فيها ؟ أم الأخد بالموافقة الضمنية على الطلب حين سكوت الإدارة عن الجواب عليه داخل أجل ثمانية أيام ؟ وماهي حدود تدخل ادارة المستشفى العمومي بخصوص تراخيص النيابة المتجاوزة لشهر؟ باعتبار أن القانون يلزم ابرام عقد تتراب عنه المسؤولية العقدية بين الطبيب النائب والطبيب المناب عنه وما موقعها القانوني في هذا العقد خاصة انها ملزمة بتدبير المستشفى العمومي بمايسمح حق المواطن في العلاج دون تأخير .
اما بخصوص ممارسة الطبيب الموظف داخل المصحات الخاصة ، رغم أننا لا نجد في هذا الأمر أية إثفاقية نمودجية ، عكس ما عليه الوضع بفرنسا ، حيث أعدت الهيئة الوطنية للاطباء الفرنسيين نمودجا لهذه الصورة من التعاقد .
وقد اجاز المشرع المغربي وعلى سبيل الاستثناء ولفئتين من الاطباء الموظفين العمل في هذه المصحات حسب صريح الفصل 56 من القانون 10/94 .
الاساتذة والاساتذة المبرزون في الطب وفق احكام المرسوم 2/91/262 الصادر بتاريخ 14ماي 1993 ، والاطباء والجراحون والاحيائيون بالمستشفيات والخاضعين لأحكام المرسوم رقم 2/89/25 الصادر بتاريخ 10-10-1989 .
فهاؤلاء الاطباء الموظفين يرخص لهم بمزاولة مهنة الطب بصفة حرة في المصحات المسماة “جامعية ” ، والمحدتة لهذا الغرض من لدن الادارة أو المركز الاستشفائية الجامعية أو الهيئات التي لا تسعى الى الربح والمأدون لها بموجب النصوص التشريعية المؤسسة لها في انشاء او إدارة مؤسسات علاجية .
ويتضح مما سبق وحفاضا على حسن سير مرفق الصحة وحاجيات المواطنين وطبيعة الوسائل الموضوعة رهن اشارة اطباء القطاع العام من قبل أطباء القطاع الخاص فلابد لهم من التقيد بالشروط التالية :
درجة وصفة الطبيب العام وشرط السماح فقط بالعمل بالمصحات الجامعية وكون الادارة الصحية العمومية هي المتحكم الوحيد في طبيعة أتعاب الاطباء بهذه المصحات .
ذ/الحسين بكار السباعي
محام وباحث في الهجرة وحقوق الإنسان.