أكادير 24
حياة الفرد وسلامته الجسدية وصحته من القيم التي يحميها القانون ، هذا الأخير الذي يجرم الأفعال الماسة بهذه القيم ، مثلما يخول للمتضرر الحق في طلب التعويض عن الاضرار اللاحقة بها ، فضلا عن بطلان التصرفات المخالفة للنظام العام الصحي للدولة .
ويرتب الحق في الصحة التزاما عاما بالامتناع عن الاضرار بصحة الغير، مثلما يرتب التزاما خاصا على الاطباء بالإستجابة لدعوة المريض عند طلبه العلاج .
فضلا على أن الحق في الرعاية والتغطية الصحية يرتب التزاما على الدولة ملزمة بالوفاء به وتنفيذه .
ونص دستور المملكة المغربية ل 2011 ، على مجمل حقوق الانسان الواردة في الاعلان العالمي لحقوق الانسان ، ناهيك عن سمو الاتفاقيات الدولية كما صادق عليها المغرب عن التشريع الوطني ، والتنصيص على ملائمة كل تشريع مع مقتضيات الدستور .
ورجوعا بالمتلقي العزيز الى قانون منظمة الصحة العالمية وإعلان “ألماآتا ” والتوصيات الصادرة عنها وخاصة التوصية رقم 61/23 الذي أكد ان مرادف الحق في الصحة هو الحق في تلقي الرعاية الصحية ، اي الحق في الاستفادة من التدابير التي ينبغي أن تعتمدها الدول للوقاية من الأمراض وتشخيصها ومعالجة المرضى .
لنعد لدستور 2011 و الحق في تلقي الرعاية الصحية الذي يعتبر أهم مكونات الحق في الصحة ، نجد الفصل 20 منه ينص على الحق في الحياة ، وفي الفصل 31 ينص على أنه ” تعمل الدولة والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية على تعبئة كل الوسائل المتاحة لاستفادة المواطنين …من الحق في العلاج والرعاية الصحية ….”
وتطبيقا لذلك قضت المحكمة الادارية بالدار البيضاء بأن :” إفتقار المستشفى العمومي للوسائل والمعدات الضرورية لعلاج المضاعفات والعواقب التي ترتبت عن العملية الجراحية يشكل اخلالا بقواعد العناية اللازم توفرها في المرافق الصحية نجم عنه العجز عن مواصلة علاج المدعي الأمر الذي ترتب عنه مسؤولية المركز الاستشفائي .” حكم بتاريخ 25/03/2003 في الملف عدد 225/2001.
وفي نفس الإطار قضت المحكمة الادارية باكادير بأن : ” تبوت اخلال مرفق الصحة بمبدأ المساواة بين المواطنين في العلاج يجعل الدولة مسؤولة عن الأضرار اللاخقة بالمدعي .”
ثم اتبعت ذات المحكمة الادارية تعليها بالتأكيد على أن ” المرفق الصحي العمومي أعد لتوفير الظروف الملائمة لعلاج المرضى وتوفير الخدمات الطبية بمختلف انواعها والكفاءات المهنية المطلوبة حسب كل حالة لتوفير العلاج والرعاية الطبيين اللازمين .وكل عمل او تقصير في هذا الجانب تتحمل تبعاته الدولة باعتبارها المسؤول أساسا عن صحة المواطنين .” .” حكم رقم 763 بتاريخ 21/10/2004.
كما اكدت محكمة النقض في احد قراراتها على مبدأ الحق في الصحة من خلال التشديد على مسؤولية الدولة في هذا الإطار حتى تكون ضمانة للإستفادة من العلاج .
وهكذا قضت في قرارها رقم 856 بتاريخ 19/11/2008 في الملف عدد : 2006/2/4/3031 على ” كون العملية جاءت متأخرة وسوء التشخيص أتناء الفحص الأولي الذي تلاه إخمال في العلاج وعدم بدل العناية اللازمة التي تستوجبها حالة المصاب من طرف المستشفى يشكل خطأ مرفقيا يتمثل في سوء ادارة المستشفى .”
فضلا عن ذلك فإن مسؤولية الدولة في المجال الصحي لا تقف فقط عند حدوت الخطأ الطبي والضرر للمرتفق بل تذهب حتى للمرحلة ماقبل الولوج الى المرفق الصحي مادام أن الحق في الحياة وما يتفرع عنه من الحق في الصحة والحق في العناية مبدأ دستوري .
وهكذا وفي إطار الإستفادة من التغطية الصحية للمواطن المسجل ضمن فئة معاش الأرامل لدى الصندوق الوطني للضمان الإجتماعي قضت المحكمة الادارية بالدار البيضاء بأن الفئة التي يقل معاشها عن مبلغ 500 درهم غير ملزمة بأداء سقف محدد من الإشتراك حتى يمكن لها أن تستفيد من نظام التأمين الاجباري عن المرض طالما أن المشرع المغربي لم ينص صراحة على إقصائها من النظام المذكور مما يجعل القرار الذي رفض طلب الطاعنة بالاستفادة من ذلك النظام بعلة أن قيمة معاشها لا يخول لها الاشتراك هو قرار معيب متسم بعيب مخالفة القانون وموجب للإلغاء .” حكم بتاريخ 02/06/2010 في الملف عدد 2010/5/272.
فهل ازمتنا اليوم ازمة قانون أم ازمة قيم أم أزمة ندرة الكفاءات الطبية ؟
هذا ماسنتناوله في شقنا الثاني من الموضوع حول العمل الطبي واشكال ممارسته وتحدياته .
ذ/ الحسين بكار السباعي
محام وباحث في الإعلام والهجرة وحقوق الإنسان.