بقلم: أحمد بومهرود باحث في الإعلام و الصناعة الثقافية
لم يعد الحضور الإفريقي في الرباط مرتبطاً بموعد محدد أو بنشاط بعينه، بل أصبح جزءاً من المشهد اليومي للعاصمة. ففي مختلف أيام السنة، تحتضن الرباط لقاءات وندوات ومؤتمرات إفريقية في مجالات متعددة، علمية واقتصادية واجتماعية وطبية وبرلمانية وثقافية، وغيرها، ما يعكس تحوّلاً عميقاً في موقع المدينة داخل الفضاء الإفريقي، ويجعلها أقرب إلى عاصمة إفريقية مفتوحة على القارة بكل تنوعها.
هذا الزخم المتواصل لا يمكن قراءته بمعزل عن مناخ الثقة الذي تحظى به المملكة المغربية لدى عدد متزايد من الدول والمؤسسات الإفريقية. فاختيار الرباط بشكل متكرر لاحتضان هذه الأنشطة يعكس اطمئنان الفاعلين الأفارقة إلى الاستقرار السياسي والمؤسساتي للمغرب، وإلى قدرته على توفير شروط النجاح التنظيمي واللوجستي، فضلاً عن مصداقيته كشريك يحترم التزاماته.
- الثقة الإفريقية: رصيد استراتيجي متراكم
إن تنوع المجالات التي تشملها الأنشطة الإفريقية بالرباط يدل على أن هذه الثقة لا تقتصر على الجانب السياسي أو الدبلوماسي، بل تمتد إلى البحث العلمي، والصحة، والتنمية الاجتماعية، والثقافة، والعمل البرلماني، والتعاون الاقتصادي. وهذا الاتساع في مجالات التعاون يعكس اقتناعاً إفريقياً متنامياً بأن المغرب شريك شامل، قادر على مواكبة التحولات التي تعرفها القارة، والاستجابة لحاجياتها المتعددة.
كما أن هذا الحضور اليومي للأفارقة في الرباط يساهم في خلق فضاء للتبادل الإنساني والثقافي، حيث تتحول العاصمة إلى نقطة التقاء بين تجارب إفريقية مختلفة، وتصبح العلاقات بين الشعوب مكمّلة للعلاقات بين الدول، وهو ما يعزز عمق الاندماج الإفريقي بعيداً عن المقاربات الظرفية.
- رؤية ملكية واضحة تجاه إفريقيا
يعود جانب كبير من هذا التحول إلى السياسة الإفريقية الرشيدة التي يقودها صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده، والتي تقوم على مبدأ الشراكة المتكافئة والتعاون الملموس. فقد جعل جلالته من إفريقيا خياراً استراتيجياً ثابتاً، وليس مجرد امتداد جغرافي أو مجال نفوذ ظرفي، وهو ما تُرجم إلى مبادرات تنموية، واتفاقيات تعاون، وحضور ميداني فعلي للمغرب في عدد من الدول الإفريقية.
هذه الرؤية الملكية، التي تضع الإنسان الإفريقي في صلب الاهتمام، عززت صورة المغرب كبلد قريب من قضايا القارة، ومنخرط في إيجاد حلول عملية لتحدياتها، سواء تعلق الأمر بالتنمية، أو الصحة، أو التعليم، أو الاستقرار. وهو ما يفسر انجذاب الفاعلين الأفارقة إلى الرباط باعتبارها فضاءً آمناً ومحايداً للحوار والتعاون.
- الرباط كمنصة إفريقية متعددة الأبعاد
تحوّل الرباط إلى مركز دائم للأنشطة الإفريقية يمنحها دوراً يتجاوز الاستضافة، لتصبح منصة لصناعة الأفكار، وتبادل الخبرات، وبناء شبكات التعاون. كما يكرّس هذا الدور مكانة المغرب كجسر بين إفريقيا وباقي الشركاء الدوليين، في زمن تحتاج فيه القارة إلى فضاءات موثوقة لتنسيق الجهود وتوحيد الرؤى.
غير أن هذا الدور يطرح في الآن ذاته مسؤولية مضاعفة، تتمثل في الحفاظ على هذا الرصيد من الثقة، وضمان أن يظل هذا الحضور الإفريقي المتنامي محركاً لنتائج ملموسة تعود بالنفع على شعوب القارة.
- خلاصة
إن ما تعيشه الرباط اليوم من حركية إفريقية متواصلة ليس مجرد ظاهرة عابرة، بل هو تعبير عن مسار استراتيجي طويل الأمد، تُوّج بثقة إفريقية واسعة في المملكة المغربية، وبقيادة رشيدة جعلت من إفريقيا شريكاً أساسياً في رؤية المغرب للمستقبل. وفي هذا السياق، تترسخ الرباط يوماً بعد يوم كفضاء إفريقي جامع، يجسد روح التعاون والتكامل التي تنشدها القارة.


التعاليق (0)