أكادير24 | Agadir24-اسماعيل الحلوتي
ليس من السهل على أي كان مهما علا شأنه امتلاك القدرة على تحمل مسؤولية قيادة بلد ما، لما يتطلبه الأمر إلى جانب الكفاءة والخبرة من حكمة وتبصر وجدية في معالجة الأمور واتخاذ القرارات، ومن أناة وصبر في مواجهة المشاكل والأزمات. لكن هناك رؤساء دول عربية وغربية رغم توليهم مقاليد الحكم عبر صناديق الاقتراع، سرعان ما يجدون أنفسهم على حين غرة أمام مجموعة من اللعنات السياسية والاحتجاجات الشعبية تلاحقهم لعدة اعتبارات، كما هو الحال مثلا بالنسبة لكل من الرئيس التونسي قيس سعيد والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، اللذين أصبحا منبوذين في الداخل والخارج، ويعيشان أحلك ظروف حياتهما خلال الأسابيع الأخيرة وهما يقودان بلديهما نحو الهاوية.
وإذا كان رئيس تونس قيس سعيد الذي يمضي في تشديد قبضته على البلاد منذ “انقلابه الدستوري” في 25 يوليوز 2021 حيث قام بحل الحكومة، تعليق العمل بالدستور وتجميد البرلمان، وشرع في إعادة تشكيل النظام السياسي، لدرجة بات معها معارضوه وهم كثر يصفونه بالمستبد والانقلابي الذي هدم فوق رؤوس التونسيين ما شيدوه من صرح ديمقراطي منذ اندلاع ثورة الياسمين في 2011 ومحاولة العودة بتونس إلى نظام الحكم الفردي، يواجه اليوم احتجاجات حاشدة وصاخبة، تطالب بإسقاط النظام والإفراج عن المعتقلين، وتندد بسيطرته شبه الكاملة على السلطة وبما وصلت إليه الأوضاع الاقتصادية من ترد غير مسبوق…
فإن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ليس بأفضل حال منه قيس سعيد، إذ أن فرنسا تعيش هي الأخرى هذه الأيام على صفيح ساخن من الاحتجاجات، حيث الأزمة السياسية والاقتصادية تتصاعد بشكل لافت وسريع، وتواجه الحكومة مطالب برلمانية بحجب الثقة عنها من جراء تمرير قانون إصلاح نظام التقاعد المثير للجدل، من غير تصويت في الجمعية الوطنية. مما أدى إلى تأجيج نيران الغضب الشعبي وحدوث اضطرابات في عدة مناطق بالبلاد، حيث تشهد الكثير من المدن إضرابات واسعة في جميع القطاعات المدنية، واشتباكات عنيفة بين المحتجين والأجهزة الأمنية، التي اضطرت إلى استخدام الغاز المسيل للدموع من أجل تفريق المتظاهرين واعتقال العشرات منهم، فيما أغلقت العديد من المؤسسات التعليمية والجامعات…
بيد أن الطامة الكبرى التي ضرب عليها الإعلام الفرنسي جدارا من “الإسمنت”، هي أنه فضلا عن المشاكل والأزمات الداخلية ولاسيما ما يتعلق منها بإصراره على رفع سن التقاعد من 62 إلى 64 سنة. وما سبق أن تعرض له من انتقادات حادة إثر حضوره مباراتي دوري نصف النهائي والنهائي في منافسات “كأس العالم في قطر 22” من قبل مسؤولين أوروبيين وخاصة أحزاب اليسار الفرنسية، بسبب التحقيقات التي فتحها البرلمان الأوروبي فيما سمي بفضيحة “قطر غيت” حول شبهة فساد مالي على علاقة بالدوحة، في القضية التي أوقف فيها عدة أشخاص من بينهم نائبة رئيس البرلمان اليونانية “إيفا كايلي”.
وجد الرئيس الفرنسي “إيمانويل ماكرون” نفسه فجأة أمام فضيحة كبرى من العيار الثقيل، فجرتها قناة الجزيرة الإخبارية القطرية بالوثائق والمستندات، في برنامجها الشهير “ما خفي أعظم” ضمن تحقيق جديد مساء يوم الجمعة 17 مارس 2023. فضيحة تؤكد على أن رجل فرنسا الأول غارق في مستنقع من الأموال المشبوهة القادمة من ليبيا بوساطة جزائرية، والتي استفاد منها بإيعاز من الرئيس الفرنسي الأسبق والفاسد “نيكولا ساركوزي” خلال عام 2017، وفق ما صرح به سيف الإسلام القذافي نجل العقيد الليبي الراحل معمر القذافي.
إذ أنه في ذات البرنامج التلفزيوني السالف الذكر، نقلا عن “ماكسيم شوغالي” وهو رئيس صندوق حماية القيم الوطنية في روسيا، والذي له علاقة مريبة بمؤسس فاغنر بريغوجين وسيف الإسلام القذافي. وكان قد اعتقل رفقة أحد مساعديه في طرابلس خلال ماي 2019 بناء على معلومات استخباراتية من الولايات المتحدة الأمريكية لوزارة الداخلية ومكتب النائب العام، قبل تدخل روسيا لصالح اللواء المتقاعد خليفة حفتر، أفاد للقناة بأن نجل القذافي سيف الإسلام أكد عبر رسالة سابقة في سنة 2017 أن الرئيس الفرنسي “ماكرون”، استفاد من أموال ليبية مشبوهة عبر وسطاء جزائريين، وهو ما يكشف اليوم بالواضح عن سر ذلك التقارب الكبير والمثير مع الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، ويفسر طبيعة ذلك العناق الحميمي الحار بينهما في اللقاءات الأخيرة…
ففضيحة الرئيس الفرنسي المنتشرة هذه الأيام على نطاق واسع عبر صفحات التواصل الاجتماعي تحت عنوان “ماكرون غيت”، جاءت على نفس المنوال الذي ظهرت به “قطر غيت” التي نسج خيوطها ماكرون نفسه بمساعدة أعوانه للهجوم على كل من دولة قطر ومعها المملكة المغربية الشريفة، من شأنها أن تعرضه إن عاجلا أو آجلا للمساءلة القضائية، خاصة أن هناك من الوثائق ما يحول دون محاولة الإنكار ويؤكد تورطه في تسلم أموال ليبية، ليوقع بذلك على إدانته ويخطو أولى خطواته نحو السجن.
إننا وفي انتظار أن يلقى إيمانويل ماكرون نفس مصير الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي، الذي سبق أن أدانه القضاء الفرنسي بالسجن في قضية فساد، نتساءل باستغراب شديد عن سر هذا الوجوم الذي يخيم على الإعلام الفرنسي ولزومه الصمت أمام هذه الفضيحة، وعدم التعجيل بالقيام بما يلزم من تقص للحقائق قصد تنوير الرأي العام، وهو الذي سبق أن أثار ضجة عارمة وملأ الدنيا زعيقا، ليس فقط حول “قطر غيت” بل في عديد الفضائح الظاهرة والخفية؟