“الذكاء الاصطناعي” تحت مجهر التشريع الانتخابي المغربي: تجريم الديب فايك والأخبار الزائفة وعقوبات مشدّدة

مجتمع

يضع مشروع القانون التنظيمي المتعلق بمجلس النواب الاستحقاقات التشريعية المقبلة في عهدة قواعد رقمية أكثر صرامة، من خلال إدراج أدوات الذكاء الاصطناعي ضمن الوسائط التي تُجرَّم إذا استُخدمت للإخلال بسير العملية الانتخابية أو التشهير بالمترشحين والناخبين أو التشكيك في نزاهة الاقتراع. ويأتي ذلك استجابةً لتسارع انتشار المحتوى الاصطناعي (الديب فايك) والأخبار الزائفة على المنصات الاجتماعية، وتأثيره المتزايد على سلوك الناخبين وثقتهم بالمؤسسات.

وفق مضامين المشروع، يُعاقَب كل من ينشر أو يوزّع موادّ أو منشورات انتخابية يوم الاقتراع “بأي وسيلة، بما في ذلك شبكات التواصل الاجتماعي أو شبكات البث المفتوح أو أدوات الذكاء الاصطناعي أو أي منصة إلكترونية أو تطبيق يعتمد على الإنترنت أو الأنظمة المعلوماتية” بالحبس من 3 إلى 6 أشهر وغرامة تتراوح بين 20.000 و50.000 درهم. وتشتد العقوبة عندما يتعلق الأمر بموظف عمومي أثناء مزاولة عمله، لتصل إلى 6 أشهر إلى سنة حبساً وغرامة بين 50.000 و100.000 درهم.

ويصعّد المشروع مستوى التجريم ضد المحتوى الاصطناعي المضلِّل؛ إذ يُقرّ حبساً من سنتين إلى خمس سنوات وغرامة من 50.000 إلى 100.000 درهم لكل من:

  • بثّ أو توزيع تركيبة مكوّنة من أقوال شخص أو صورته دون موافقته (في إشارة صريحة إلى المحتوى المركّب/الديب فايك).
  • نشر أو إذاعة أو نقل أو بث أو توزيع أخبار زائفة أو ادعاءات أو وقائع كاذبة أو مستندات مدلسة بقصد المساس بالحياة الخاصة لأحد الناخبين أو المترشحين أو التشهير بهم، بأي وسيلة، بما فيها أدوات الذكاء الاصطناعي والمنصات الرقمية.

كما يطبّقُ النص العقوبات نفسها على كل من ينشر أو يساهم في نشر إشاعات أو أخبار زائفة بقصد التشكيك في صدقية ونزاهة الانتخابات عبر الوسائط الرقمية والذكاء الاصطناعي. وبذلك يضع المشرّع حاجزاً قانونياً واضحاً أمام محاولات “الهندسة المعلوماتية للرأي العام” خلال الفترات الحساسة من المسار الانتخابي.

ويرى خبراء في القانون والتواصل الرقمي أن هذا التوجه يشكّل نقلة نوعية في الحماية القانونية للعملية الانتخابية، إذ ينتقل من التجريم العام للأكاذيب والتشهير إلى تسمية أدوات الذكاء الاصطناعي صراحةً ضمن وسائل ارتكاب الفعل، ما يسدّ ثغرات تأويلية كانت تُستغل تقنياً. كما يُنتظر أن يدفع هذا التشديد الأحزاب والمترشحين إلى تعزيز فرق الرصد الرقمي والتدقيق في المحتوى قبل نشره، وتبنّي سياسات داخلية للامتثال ومنع الإساءة الرقمية.

في المقابل، يحذّر مختصون في أخلاقيات التكنولوجيا من ضرورة موازنة الردع القانوني مع حماية حرية التعبير، مؤكدين أهمية مواكبة النصوص الزجرية بمنظومة متكاملة تشمل: التوعية الرقمية للناخبين، وآليات تحقق مستقلة للادعاءات المنتشرة، وتيسير المساطر أمام المتضررين للإبلاغ السريع عن الانتهاكات، إضافةً إلى تعاون تقني أكبر مع المنصات الرقمية من أجل الاستجابة العاجلة لإزالة المحتوى الاصطناعي المضلِّل خلال الفترات الانتخابية.

عملياً، يضع المشروع خريطة طريق واضحة: لا منشورات انتخابية يوم الاقتراع عبر أي وسيط، ولا “ديب فايك” أو محتوى مولّد يُسيء لسمعة الأشخاص أو يعبث بثقة المواطنين في الاقتراع، وإلا فالعقوبات سالبة للحرية وغرامات مشدّدة. وبين الردع والتربية الرقمية، تتجه التجربة المغربية إلى إرساء معايير نزاهة رقمية تراعي مستجدات الذكاء الاصطناعي دون أن تُفرّط في الحقوق الدستورية، في رهانٍ على انتخابات أكثر نظافة ومصداقية في الفضاءين الواقعي والافتراضي معاً.