هذا المقال من رأي الكاتب، ولا يعبر بالضرورة عن توجه أكادير 24.

الحكم الذاتي في الصحراء: حصاد خمسين سنة من الجهد الدبلوماسي المغربي

كُتّاب وآراء

محمد جليل: طالب باحث في سلك الدكتوراه – التاريخ المعاصر
مهتم بالتاريخ السياسي للصحراء المغربية

منذ سنوات وأنا أتابع عن كثب مسار قضية الصحراء المغربية، واليوم يمكن القول إن 31 أكتوبر 2025 يشكل محطة فارقة في هذا المسار الطويل والمعقد. صدور القرار الأخير لمجلس الأمن الدولي ليس مجرد حدث عابر، بل هو تتويج لخمسين سنة من الجهود الدبلوماسية والسياسية، ومسار تراكم فيه المغرب رصيدًا مهمًا من الشرعية التاريخية والسيادة الوطنية، مع الحفاظ على استقرار المنطقة وتوازناتها.

المجتمع الدولي اليوم يؤكد بوضوح أن الحكم الذاتي المغربي يشكل الإطار المرجعي للحل، ما يعكس تراكمًا من العمل الدبلوماسي والحضاري والسياسي، استثمرت فيه المملكة كل أدواتها القانونية والتنموية داخليًا وإقليميًا. ولأول مرة منذ سنوات، يُعاد ترتيب مفاهيم السيادة والوحدة الترابية في سياق دولي يعترف بالحلول الواقعية، بعيدًا عن الخطابات الانفصالية التي سيطرت على النقاش منذ بدايات النزاع.

منذ استرجاع الأقاليم الجنوبية سنة 1975، لم يكن النزاع مجرد قضية سياسية على الورق، بل كان مجالًا تتقاطع فيه الذاكرة التاريخية مع الجغرافيا السياسية، وتتشابك فيه إرادة بناء الدولة الوطنية مع تحولات موازين النفوذ الإقليمي. المسيرة الخضراء، التي شارك فيها مئات الآلاف من المغاربة، لم تكن مجرد حدث رمزي؛ لقد شكلت خطوة استراتيجية لتثبيت الوحدة الترابية على أرض الواقع، في إطار سلمي، مستثمرًا إرادة الشعب المغربية وتضحيات القوات المسلحة الملكية والأجهزة الأمنية.

على مدى العقود الماضية، تراكمت المواقف القانونية والتاريخية والدبلوماسية، قبل أن تظهر مبادرة الحكم الذاتي عام 2007 كتحول نوعي في استراتيجيات المغرب. لم تعد الحلول تعتمد فقط على المناورات الدولية أو الخطابات الدبلوماسية، بل على رؤية شاملة تربط بين الهوية الوطنية، السيادة، والاستثمار التنموي للأقاليم الجنوبية.

في خطاب جلالة الملك محمد السادس بتاريخ 31 أكتوبر 2025، أكد أن المملكة دخلت مرحلة جديدة من الحسم الدولي، وأن الدينامية التي أطلقتها السنوات الأخيرة بدأت تؤتي ثمارها. وأوضح أن المبادرة المغربية للحكم الذاتي أصبحت الآن محل اعتراف دولي واسع، وأن ثلثي الدول في الأمم المتحدة تعتبر هذا الإطار هو الحل الوحيد والواقعي للنزاع، بما يعزز مكانة المغرب الاقتصادية والتنموية على الصعيدين الإقليمي والدولي، لا سيما في منطقة الساحل والصحراء.

المغرب اليوم يقدم مثالًا على أن الوحدة الترابية ليست مجرد حدود جغرافية، بل مشروع مجتمعي وسياسي يرتكز على الاستمرارية التاريخية للدولة المغربية، وعلى علاقة الشعب بالسلطة السيادية. وقد شدّد الملك على المساواة بين جميع المواطنين، بما في ذلك العائدون من مخيمات تندوف، مع توفير فرص المشاركة في التنمية المحلية ضمن المغرب الموحد.

الخطاب الملكي لم يغفل بعدًا مهمًا آخر، وهو البعد الإقليمي والدبلوماسي، إذ دعا الملك إلى حوار أخوي صادق مع الجزائر لتجاوز الخلافات وبناء علاقات قائمة على الثقة وروابط الأخوة، كما جدد الالتزام بالعمل من أجل إحياء الاتحاد المغاربي على أساس التعاون والاحترام المتبادل.

هذه اللحظة ليست مجرد تحول دبلوماسي أو قانوني؛ إنها إعادة قراءة للتاريخ المغربي في ضوء المتغيرات الدولية، وإشارة واضحة إلى أن الزمن السياسي اليوم يميل لصالح من يمتلك شرعية التاريخ ورؤية واضحة للاستقرار والتنمية. القرار الأممي يُظهر أن السيادة والوحدة الوطنية ليست شعارات فحسب، بل مشاريع واقعية متصلة بالتنمية، وبناء مؤسسات قوية، واستثمار أدوات الدبلوماسية بذكاء.

باختصار، القرار الأخير، مع الخطاب الملكي السامي، يمثل التقاء التاريخ والسياسة والتنمية في رؤية واحدة، تؤكد أن استدامة الاستقرار في المغرب والمنطقة تعتمد على الاعتراف بالحقائق التاريخية، وتعزيز التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وحماية السيادة الوطنية، مع بناء مستقبل مستقر وواعد لكل المواطنين.

التعاليق (0)

اترك تعليقاً