مواكبة ومساهمة في النقاش القانوني والمهني حول أزمة العدالة في التلقي أو الإنتاج كما عنونها كلا طرفي المبارزة الفكرية وهما السيد نائب الوكيل العام بمحكمة الاستئناف الجنحية بالبيضاء ليس بهذه الصفة ولكن بصفته عضو بنادي قضاة المغرب و ذلك بموضوع “أزمة تلقي العدالة …… دروس بيداغوجية” المنشور بالجريدة الالكترونية لأحداث أنفو بداية غشت 2018 ، و الثاني هو السيد النقيب عبد الرحيم الجامعي المحامي بهيئة القنيطرة بموضوع : “أزمة إنتاج العدالة …. ردا على أزمة تلقي العدالة” المنشور بالجريدة الالكترونية مغرس بتاريخ 03/08/2018.
و نظرا لأهمية الموضوع و جاذبياته العديدة الروافد لكونه يمس العدل الذي به قامت السماوات و الأرض و هو غاية الرسالات الربانية كلها و هو من أسماء الله الحسنى التسعة و التسعون.
لذا وجب التذكير بما هو معلوم للعام و الخاص من كون العدل تواطأت على حسنه الشرائع الإلاهية و العقول الحكيمة و الفطر السوية منذ الأزل، و حسن العدل و حبه مستقر في نفوس كل المخلوقات بما فيها الإنسان.
و لا يمكن الحديث أو التشبث بالعدل دون مراعاة و فهم مصطلحات لها علاقة مباشرة به و منها الظلم الذي يمثل الإنحراف عن العدل و التصرف في الحق بدون حق.
و كذا الإنصاف و هو العدل في القضاء و المعاملة في حدود ما يستحق كل طرف دون تمييز أو محاباة أو ضرر بنفس المنطق و القواعد و الأركان و بالمساواة في تطبيق القانون.
و إيمانا من الدولة بأهمية العدل في النفوس، و أثره في المعاملات بين مكونات المجتمع أفرادا و جماعات و مؤسسات، و نتائجه على العلاقات الإنسانية و الاقتصادية و الاجتماعية الوطنية و الدولية التي ما توقفت على طرق باب النجدة و رفع صوت التشكي من وضع العدل و العدالة بالمغرب و مستواه الغير مرضي، و بالأصح الغير الشافي لحاجيات المرتفقين أو المظلومين من الوافدين للمحاكم بكل أنواعها العادية و المتخصصة.
و لربما هو الدافع إلى خلق فرصة تاريخية بعد دستور 2011 للنقاش العمومي بدون سقف و لا حدود يخص موضوع العدل و العدالة بالمغرب، كان من أهم نتائجه هو حسم الحوار الوطني لإصلاح منظومة العدالة في كون العدالة المغربية مريضة وبحاجة إلى علاج فوري يساعدها على استعاذة مقوماتها التي أسست من أجلها و هي عديدة نذكر منها:
* تنظيم علاقة المواطن بالمجتمع و الدولة بشكل واضح و بسيط و مفهوم و مقبول للاستيعاب و التطبيق وفق القانون باعتباره أسمى تعبير عن إرادة الأمة.
* ضمان حرية التعبير و المشاركة في بناء الوطن دون أي فوارق مسبقة سوى الامتثال
للقانون و تطبيقاته المتساوية بين الأشخاص الذاتيين و الاعتباريين بمن فيهم السلطات العمومية.
* حماية الحق في الحياة والسلامة الشخصية للأفراد و أسرهم و أقاربهم و ممتلكاتهم.
* تحقيق العدل الذي يقابله نبذ و محاربة الظلم، قال تعالى : ” يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله و لو على أنفسكم أو الوالدين و الأقربين ان يكن غنيا أو فقيرا فالله أولى بهما فلا تتبعوا الهوى أن تعدلوا و أن تلووا أو تعرضوا فأن الله كان بما تعملون خيرا” سورة النساء الآية 135.
* حماية حقوق الأشخاص و الجماعات و حرياتهم و أمنهم القضائي بالتطبيق السليم للقانون.
و لأن مقياس تحقق العدالة لا يكون مختبريا و إنما يكون بشريا تفاعليا من ذوي الحاجة للعدل و الوافدين للمحاكم طالبين بحق أو المدعوين للمواجهة من أجل ذات الحق.
و لكون المرتفق القضائي بشر له إدراك و إحساس و رأي و موقف إنساني معبر عنه، إما بالرضا أو السخط و إما بالقبول أو الرفض للمنتوج القضائي، سواء كان مدعيا أو مدعى عليه أو كان متهما أو ضحية و هما المعادلتان الأبرز في مقياس طرفي النزاع القضائي بشكل عام.
و لمعرفة مدى رضا المرتفق القضائي المغربي من منتوج العدالة فلن نكون بحاجة إلى كثير من التقنيات بل نطلع فقط بشكل سطحي على ما يلي:
* عدد الملفات المسجلة سنويا و العدد المصفى و الباقي منها كمخلف؟
* عدد الطعون المقدمة و مآلها و تكلفتها المادية و البشرية؟
* زمن التقاضي و تكلفته مقارنة بمستوى المواطن المعيشي؟
* قيمة الإنتاج القضائي لدى المرتفق القضائي؟
* حصيلة التنفيذ؟
* تأثير المنتوج القضائي على المواطن و المجتمع؟
لتكون النتيجة الختامية ليست وردية بل سلبية صاعقة لكون كلا طرفي المنازعة القضائية في غالبية الأحيان يخرجان من منظومة العدالة بقناعة عدم الرضا على النتيجة المتحصل عليها سواء كانت سلبية أو إيجابية للأسباب التالية:
* تعقيد المساطر القضائية و تشابكها.
* تشتيت القوانين و تنافرها.
* تعطيل الحلول البديلة و المباشرة بدلا من التواجهية.
* غياب الإحساس بأزمة العدل أمام الحاجة و الفقر و الظروف الاجتماعية الغير مساعدة على مواصلة القتال من أجل الدفاع عن الحق أو الحقوق.
ظهور نماذج التطبيق الغير عادل للقانون بين نفس مكونات المجتمع و نفس النوازل القضائية المشابهة.
* تقل تكلفة الولوج للعدالة.
* تبخر قيمة الحق مع طول الزمن القضائي.
* حظر تفعيل التنفيذ في مواجهة الأفراد دون المؤسسات و خاصة العامة منها قبل الخاصة.
* كثرة القضايا المعروضة مع ضعف الإمكانيات اللوجيستيكية و البشرية يبطل معنى و مفهوم
* بسط القداسة على المنتوج القضائي و تطبيق آليات التشكي أو التظلم منه في حينه.
* ضعف التغيير للعنصر البشري بالمنظومة.
* ضعف التكوين المستمر.
لذا فإن أي نقاش يخص المنتوج القضائي أو ما اصطلح عليه أزمة تلقي العدالة لن يكون له الأثر المنتظر منه إلا إذا أسس على أسباب أزمة العدالة قبل الهرولة إلى تحصين منتوجاتها، لكون الإصلاح الحقيقي يكون من المصدر المنتج لها، لا من المتلقي الذي هو ضحية الولوج للعدالة بحثا عن العدل و يراد منه أن يكون ضحية تحمل عبء و أزمة إنتاجها و هي نظرية جديدة تستحق مزيدا من النقاش للفهم قبل التطبيق!!؟
و حتى نكون مساهمين إيجابيين في البحث عن الحلول لمعضلة العدالة بالوطن فلابد أن يكون تفكيرنا مؤسس على التشخيص الحقيقي للأزمة مع تحديد الأهداف المرجوة و المتطلبات الآنية و المستقبلية، لننخرط وفق الآليات القانونية و المؤسسات المختصة في التنزيل الإيجابي للحلول العديدة المقترحة و المعتمدة للإصلاح.
و للتذكير فأزمة العدالة متفرعة حسب التشخيص العام إلى مستويات و هي:
* التخليق.
* السياسة الجنائية.
* النجاعة و الفعالية.
* ضعف استراتيجية تدبير العنصر البشري.
* ضعف الميزانية المخصص للعدل.
* ضعف النيابات التحتية للمحاكم.
* تراجع مستوى المهارات الفردية للعنصر البشري.
* التدبدب في اختيار النظام الأنجع في الممارسة.
أن القضاء كمرفق عمومي تصدر عنه الأحكام و القرارات المطبقة للقانون بغاية حماية حقوق الأفراد و الجماعات و المؤسسات و تحقيق لهم الامن القضائي يعتبر شأنا مجتمعيا لا ينفرد بتحليله أو انتقاد منتوجه أو التعقيب على مقرراته فئة دون أخرى، بل أن الصالح من القول و الطرح و المقترح الأنفع للعدل و المجتمع مع الاحترام التام للضوابط و المؤسسات مع التوقير التام لاستقلالية القاضي في البث.
مصطفى يخلف محامي بهيئة المحامين لدى
محاكم الاستئناف بأكادير و كلميم والعيون
التعاليق (0)