الجنس مقابل البناء العشوائي

توفيق بوعشرين كُتّاب وآراء

كل عناصر الإثارة اجتمعت في فيلم «قايد الدروة».. الجنس والسلطة والعنف، وشيء من الدين بحكم أن السيدة التي وضع عليها القايد الحسين عينه «الوردية» سيدة متزوجة ومحجبة في مجتمع محافظ.
بدأت القصة ببناء غرفة فوق السطح بشكل غير قانوني في جماعة الدروة بإقليم برشيد، حيث لجأت العائلة، التي أصبحت مشهورة في مواقع التواصل الاجتماعي، إلى حل مشاكل السكن عن طريق خرق قانون البناء، وإضافة غرفة فوق السطح كما هو متعارف عليه في الأحياء الشعبية. هنا تحركت آلة السلطة، حيث بدأت مع عون السلطة الذي لا يخفى عليه شيء، إذ تقول الأسرة إنها سلمته رشوة لكي يغمض عينيه عن خرق القانون، ولما وصل الأمر إلى القايد استدعى الزوج وزوجته للاستفسار عن «الصفقة التي عقداها مع رجل السلطة الصغير»، لكن سعادة القايد لما وقعت عيناه على السيدة تغير المخطط، وأصبح جسدها هو الموضوع وليس غرفة عشوائية فوق السطح يوجد مثلها الآلاف… هنا نصب القايد الفخ للأسرة، فضغط على الزوج لتوقيع إقرار مكتوب يعترف فيه برشوة ممثل السلطة لكي يسكت عن خرق القانون، ولأنه خبير في فنون الإقناع والضغط، فقد أفلح في دفع الزوج إلى الإقرار بجريمته. عندها وضع الورقة في جيبه، وانتقل إلى الجزء الثاني من الخطة، ويتمثل في المكالمات الهاتفية ورسائل الواتساب إلى الزوجة، محاولا استمالتها بلطف إلى الفراش. لما امتنعت وقاومت إغراء رجل السلطة بالمال تارة وبعبارات الغزل تارة أخرى، مر القايد الحسين إلى المرحلة الثالثة من الخطة.. إشهار ورقة الاعتراف بالرشوة التي وقعها الزوج، وتهديد المرأة بإيداع بعلها في السجن إن هي أصرت على مقاومة القايد الغني والمتعلم، والذي يملك فوق هذا سلطة على أعناق الناس.. سلطة حقيقية ومتخيلة يستعملها كما استعملها أجداده القياد لابتزاز الرعايا منذ غابر الأزمان.
وصل فيلم الدروة إلى العقدة الخطيرة، وصارت الصفقة هي: «الجنس مقابل بقاء الزوج خارج أسوار السجن».. بعدما كان المطلوب هو المال فقط، الآن دخل عرض الزوجة في الحساب. هذه الأخيرة لم تتحمل الضغط، فصارحت زوجها بحقيقة الذئب الذي يحوم حولها دون أن يراعي القانون ولا الأخلاق ولا أعراف المغاربة التي تجعلهم يوقرون المرأة المتزوجة… هنا تحركت وسائل الدفاع في نفس الإنسان عندما يكون في حالة ضعف، فاهتدت الأسرة إلى نصب كمين لـ«القايد الضاسر»، فأوهمته الزوجة بأنها استسلمت لضغوطه، وأنها أصبحت جاهزة لأداء ثمن حرية زوجها وبناء بيت عشوائي فوق السطح. اتصلت بالقايد الذي تفرغ بالكامل للإيقاع بضحيته، وأخبرته بأنها لوحدها في البيت، وأنه يستطيع أن يزورها لإتمام الصفقة. ولأنه كان متحرقا لنيل وطره، لم يتخذ أي إجراءات احترازية، فغامر بنفسه وسلطته وسمعته، وطرق باب الزوجة في وقت متأخر من يوم الأحد. الزوجة سهام هيأت سلاحا فعالا لاصطياده.. إنها كاميرا الهاتف التي سجلت كل شيء. نقلت سهام القايد مباشرة إلى غرفة العمليات (غرفة النوم)، فما كان من المراهق إلا أن نزع ملابسه، وبدأ يحضر لاستقبال الزوجة بين أحضانه، وهنا فاجأه الزوج وصديق له مسلحين بساطور وسكين، لكن السلاح الأخطر كان هو الكاميرا التي كانت الزوجة تحملها لتوثق بالصوت والصورة ما يجري في غرفة نوم تحولت إلى غرفة تحقيق وتعذيب أيضا، ولأن الزوج كان غاضبا من الاعتداء على حرمته ومس شرفه، فإنه فقد أعصابه، وشرع في ضرب القايد الذي وجده فوق سريره، رغم أن الزوجة كانت ذكية، وحاولت مرارا منع زوجها من ضرب القايد حتى لا يضعف موقف العائلة التي تحولت من الطرف الأضعف إلى الطرف الأقوى.
القايد، ولأنه رجل سلطة وله تجربة، تعامل مع الموقف بذكاء، فاحتفظ ببرودة أعصابه، وانتقل إلى «الطليب والرغيب»، والاعتراف بالذنب، وإرجاع الأمر كله إلى الخمر التي لعبت بعقله في ذلك الوقت المتأخر من الليل، وكل تركيزه هو دفع الأسرة إلى عدم تبليغ الدرك الملكي عنه وهو في حالة تلبس، أو بالأحرى في حالة عري فاضح، هنا وقعت الأسرة في الخطأ، حيث نجح القايد في إقناعها بطي صفحة الخلاف، فلا هو سيستعمل الورقة التي في مكتبه، ولا الأسرة ستستعمل الفيديو الذي في حوزتها، وهكذا تكون الأمور وصلت إلى الصلح عن طريق الردع المشترك.
خرج الثعلب من الفخ بأخف الأضرار، فسهام ورشيد لم يبلغا الدرك ليلتها، وكان هدفهما هو مبادلة الشريط بالوثيقة التي لدى القايد ضد الزوج. مرت أسابيع والقصة محصورة بين الطرفين، إلى أن سبق الجاني الضحية إلى القضاء، ورفع دعوى قضائية ضد أسرة رشيد يتهمها فيها بنصب فخ له عندما كان يعاين البناء العشوائي كرجل سلطة مكلف بمراقبة مخالفات البناء، وأن رشيد وسهام وصديقا لأسرتهما احتجزوه هناك وعذبوه وصوروه عاريا لابتزازه حتى يسكت عن البناء العشوائي ويمكنهم من المال.
ألقي القبض على الزوج وصديقه الذي ساعده في استنطاق القايد، وتقررت متابعة الزوجة في حالة سراح، فيما بقي القايد حرا طليقا طيلة أكثر من شهر، وفي فبراير قررت الداخلية توقيف القايد، لكن النيابة العامة لم تتحرك رغم أنها اطلعت على الشريط الذي لم يعلم به أحد إلا الأسبوع الماضي، حيث ظهرت أجزاء منه في اليوتيوب، وهو ما فجر قضية رأي عام كبيرة اضطرت معها الداخلية إلى عقد مجلس تأديبي للقايد، وفصله بإجماع أعضاء اللجنة التأديبية تمهيدا لعرضه أمام القضاء. هذا معناه أن الداخلية لم تقتنع بحكاية أن القاضي كان ضحية ابتزاز، وكان يعاين مسكنا غير قانوني في الواحدة صباحا من غرفة نوم سيدة متزوجة.
ما هي العبرة في كل هذا؟ أولا، القايد معروف في الدروة بسيرته غير الحسنة وبابتزازه الناس، لكن رقابة وزارة الداخلية على قيادها وعمالها وولاتها ضعيفة جدا، وهي لا تتحرك إلا بعد أن تقع الفأس في الرأس، وهذا، ببساطة، لأن الداخلية متفرغة لمراقبة المنتخبين الذين اختارهم الشعب لتسيير شؤونه، ولا ترى رجال السلطة المعينين من قبلها، والذين يتصرفون في مساحات كبيرة من الاختصاصات. ثانيا، سهام ورشيد وصديقهم لم يستدعوا الدرك، ولم يخبروا وكيل الملك بواقعة الابتزاز، ولا بحكاية ضبط رجل السلطة عاريا في غرفة النوم، لأنهم، كما الأغلبية الساحقة من المغاربة، لا يؤمنون بوجود دولة للحق والقانون في المغرب، ولا يتصورون أن القضاء سيضعهم مع القايد في الكفة نفسها، لهذا كانت الكاميرا وسلطة الفضيحة الاجتماعية للقايد هي وسيلتهم للدفاع عن أنفسهم وشرفهم. ثالثا، زوج سهام يستحق ظروف التخفيف لأنه لم يتمالك أعصابه أمام قايد متسلط لم يكتفِ بالتحرش بزوجته، بل مر إلى ابتزازها عن طريق ورقة الاعتراف بالرشوة. رابعا، ليست السلطة وحدها هي المريضة في هذه البلاد، المجتمع هو أيضا مريض، فسهام وزوجها لم يحترما قانون البناء، وأقدما على دفع رشوة لعون السلطة لإنشاء بيت فوق السطح قد يهدد حياتهما وحياة جيرانهما، ثم إنهما صبرا على ابتزاز القايد للزوجة ولم يبلغا عنه، ثم لم يكتفيا بتصوير الثعلب في حالة تلبس، بل مرا إلى تعذيبه وأخذ الحق باليد. إنه تمرين مفتوح للتحليل القانوني والنفسي والسوسيولوجي والتاريخي عن علاقة السلطة بالمجتمع، والقياد بالحقوق وثقافتها
توفيق بوعشرين

التعاليق (0)

التعاليق مغلقة.