بقلم: أحمد بومهرود باحث في الإعلام و الصناعة الثقافية
تشهد منطقة الساحل الإفريقي منذ سنوات توترات متصاعدة، تتشابك فيها المصالح الجيوسياسية والاقتصادية والأمنية. وفي قلب هذه المعادلة الملتبسة، تبرز الجزائر كلاعب يسعى إلى استعادة نفوذٍ فقد بريقه، لكن بأساليب تُثير الريبة أكثر مما تعزز الثقة. فبعدما كانت تُقدّم نفسها وسيطًا نزيهًا في النزاعات الإفريقية، أصبحت اليوم – وفق عدد من المراقبين ومن تصريحات الصحافي المالي المتخصص في شؤون الساحل عبد السلام ميغا في حوار خص به جريدة هسبريس الإلكترونية – طرفًا متّهمًا بتأجيج الأزمات ودعم الحركات الانفصالية، ما أفقدها الكثير من رصيدها الدبلوماسي ومصداقيتها الإقليمية.
- من “الوساطة” إلى “الوصاية”: انزلاق الدور الجزائري
يرى ميغا، في حواره مع هسبريس، أن الجزائر تعيش “تحولًا بنيويًا” في سياستها الخارجية، انتقلت معه من دور الوسيط التقليدي إلى “الطرف المسبّب للأزمات”. ويشير في تحليله إلى أن الخطاب الرسمي الجزائري الأخير في الأمم المتحدة، الذي طبعته “الألفاظ الجارحة” وافتقد لأدنى درجات اللباقة الدبلوماسية، لم يكن سوى انعكاسٍ لحالة ارتباك تعيشها الدبلوماسية الجزائرية أمام فقدانها للمبادرة السياسية في المنطقة.
ويضيف ميغا أن الجزائر (كما رصد في حواره ) تعوّض غياب الحجج “بالانفعال”، وتواجه الاتهامات الموجهة إليها من دول الساحل بالهجوم اللفظي بدل تقديم الإثباتات، وهو ما اعتبره الصحافي المالي بمثابة اعتراف ضمني بالضعف والعجز عن مجاراة الدينامية الجديدة التي تعرفها المنطقة بقيادة دول تبنّت خطاب التنمية والتكامل بدل الصراع والتفكك.
- دبلوماسية الأزمات: استراتيجية الفوضى كأداة نفوذ
يشير ميغا في حوار هسبريس إلى أن الجزائر تعتمد منذ سنوات ما يمكن تسميته بـ “دبلوماسية الأزمات”، وهي مقاربة خارجية قائمة على افتعال النزاعات أو تغذيتها بهدف فرض النفوذ الإقليمي.
ويعدد الصحافي المالي جملة من الأهداف التي تحرك هذه المقاربة:
- الهيمنة الجيوسياسية: من خلال السعي إلى خلق كيان فيدرالي في شمال مالي يُبقي المنطقة رهينة لمصالحها الأمنية والسياسية.
- المطامع الاقتصادية: عبر السيطرة غير المباشرة على المناطق الغنية بالثروات الطبيعية، وعلى رأسها حوض تودني، الذي يُعد من أغنى المناطق بالنفط والغاز في الساحل.
- الهدف الجغرافي السياسي: السعي لتأمين ممرات آمنة لميليشيات البوليساريو عبر شمال مالي وموريتانيا، في إطار إستراتيجية قديمة لإطالة أمد نزاع الصحراء المغربية وإضعاف خصومها الإقليميين.
ويوضح ميغا في الحوار أن هذه السياسات حولت الجزائر إلى “جرثومة إفريقية”، أي عنصر مسبب للعدوى السياسية والاضطراب الأمني، بدل أن تكون قوة استقرار كما تدّعي.
في المقابل: المغرب و”دبلوماسية التنمية”
يشير الصحافي المالي في حوار هسبريس إلى أن المغرب يتبنى سياسة خارجية مغايرة كليًا في الشكل والمضمون. فبينما تراهن الجزائر على منطق الصراع، تبني الرباط حضورها الإفريقي على “دبلوماسية التنمية” التي تمزج بين الاقتصاد، والثقافة، والبنية التحتية.
ويبرز نموذج المبادرة الأطلسية المغربية، كما وصفه ميغا في حواره، مثالًا على ذلك، إذ تمنح هذه الرؤية دول الساحل الحبيسة منفذًا استراتيجيًا نحو المحيط الأطلسي، ما يفتح أمامها آفاقًا تجارية وتنموية واعدة، ويعزز التكامل الإقليمي على أسس التعاون بدل الوصاية.
ولذلك، يتوقع ميغا أن تميل مالي تدريجيًا نحو التحالف مع المغرب، ليس فقط كخيار دبلوماسي، بل كقناعة إستراتيجية بأن الاستقرار لا يتحقق إلا عبر التنمية واحترام سيادة الدول ووحدة ترابها.
- انكشاف العزلة الدبلوماسية الجزائرية
يشير ميغا في الحوار مع هسبريس إلى أن الجزائر فقدت ثقة محيطها الإفريقي. فبعد أن كانت تُقدَّم كوسيط في أزمات مثل مالي والنيجر وليبيا، أصبحت نفسها موضع اتهامٍ بدعم الجماعات الانفصالية والإرهابية. كما أن تدهور علاقاتها مع المغرب وتجميدها للعلاقات مع دول إفريقية عدة زاد من عزلتها في الساحة القارية، حتى غدت “الوساطة الجزائرية” ( كما يصفها ميغا ) عنوانًا للتوتر لا للحل.
وفي ظل التحولات الجارية في الساحل، حيث تتشكل تحالفات جديدة على أسس التنمية الاقتصادية والمصالح المشتركة، يبدو أن الجزائر تقف خارج الزمن السياسي الجديد. فهي ما تزال حبيسة منطق الحرب الباردة وشعارات الثورة، في حين تمضي دول الجوار نحو مقاربة أكثر براغماتية تربط الأمن بالاقتصاد والازدهار.
- خاتمة: بين الماضي والمستقبل
المنطقة الإفريقية مقبلة على مرحلة حاسمة من إعادة التوازنات، ونجاح أي دولة في الحفاظ على نفوذها لن يكون بقدر قدرتها على فرض خطاب القوة، بل بقدر قدرتها على تقديم مشروع تنموي مشترك.
وفي هذا السياق، يرى ميغا في حوار هسبريس أن المغرب استطاع أن يقدّم نفسه كشريك موثوق يسعى إلى بناء فضاء إفريقي متماسك، بينما تواصل الجزائر خسارة رصيدها عبر سياسات الانعزال والتأزيم.
لقد تحولت “الجرثومة الإفريقية”، كما وصفها ميغا، إلى رمزٍ لفقدان البوصلة السياسية في قارة تتطلع إلى الاستقرار والنهوض، لا إلى إعادة إنتاج الصراعات القديمة.
التعاليق (0)