على المستوى الرسمي، تتقاطع مواقف معظم الدول العربية عند دعم سيادة المغرب على صحرائه. موقف واضح لا لبس فيه. غير أن مشهد الإجماع هذا يشذّ عنه استثناءان بارزان: الجزائر التي تؤوي جبهة البوليساريو وتدعمها سياسياً وإعلامياً ولوجستياً، وتونس التي انزلقت، تحت ضغوط وإغراءات جزائرية، إلى استقبال زعيم الجبهة على نحوٍ حمل دلالات سياسية لا تخطئها العين.
وسط هذا المشهد المتباين، تتفرّد دولة الإمارات العربية المتحدة بمقاربة مختلفة: لا تكتفي بالموقف المعلن، بل تحوّل الدعم إلى تحرّك، والمساندة إلى سياسة، والقول إلى فعل. فالملف الصحراوي حاضرٌ في الأجندة الرسمية لوزارة الخارجية الإماراتية، وتوجّهت به الإمارات إلى بعثاتها حول العالم باعتباره أولوية دبلوماسية دائمة. هذا ليس مجرد اصطفافٍ عابر، بل تقعيدٌ لسياسةٍ مستمرة.
وتاريخياً، يظلّ الحضور الإماراتي في الذاكرة الوطنية المغربية راسخاً: كان صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان (حفظه الله) أصغرَ المشاركين في المسيرة الخضراء، في إشارةٍ مبكّرة إلى عمق الرابطة. وعلى المستوى العملي، كانت الإمارات أول دولة عربية تفتح قنصليةً في الأقاليم الجنوبية للمملكة، محرّكةً بهذا القرار موجةَ افتتاحٍ لقنصليات عربية وإفريقية عزّزت الاعتراف الفعلي بمغربية الصحراء على الأرض لا على الورق فقط.
دبلوماسياً، حين تستقبل أبوظبي رؤساء دولٍ وحكومات، يكون ملفّ الصحراء المغربية ضمن جداول المحادثات. إنّه تثبيتٌ منهجيٌّ للقضية في صلب الحوارات الثنائية ومتعددة الأطراف. واقتصادياً، لم تتردد الإمارات في مراجعة علاقاتها واستثماراتها حين تعارضت مع ثوابت دعم وحدة المغرب الترابية، في رسالةٍ تقول إن الشراكات الاقتصادية ليست معزولةً عن المبادئ الإستراتيجية.
على الجانب الآخر، اختارت الجزائر توجيه الموارد والدبلوماسية لتصعيدٍ ضدّ خيارٍ واقعيٍّ يحظى بتأييد دولي متنامٍ، فيما حمّلت تونس علاقاتها الإقليمية ما لا تحتمل من رمزيةٍ سلبية باستقبالٍ رسميٍّ لزعيم الجبهة، على حساب توازنٍ عربيٍّ دقيق ومصالحٍ مغاربية مشتركة كان يمكن البناء عليها.
الإمارات لم تقف عند حدود التصفيق من بعيد، بل نزلت إلى الميدان وجعلت من دعم المغرب على صحرائه موقفاً ثابتاً، وسياسةً راسخة، وعقيدةً أخويةً تُترجَم في القرارات والسلوك. لذا، فإن كلمة الشكر لا تُوجَّه للإمارات على خطابٍ جميل، بل على التزامٍ عمليٍّ مستدام ربط القول بالفعل، وأثبت أن الشراكات العربية يمكن أن تكون وفيةً للمبادئ مثلما هي وفيةٌ للمصالح.
