الإغلاق “المدمر” للحدود … إلى متى؟
بداية تجدر الإشارة هنا إلى أن السؤال أعلاه ليس موجها إلى كابرانات العسكر في قصر المرادية، حول الحدود المغلقة بين البلدين الشقيقين الجزائر والمغرب منذ عام 1994، وإنما هو موجه لحكومتنا. إذ بينما الأيام تزحف ببطء شديد ومقلق نحو نهاية شهر يناير، والمغاربة يضعون أيديهم على قلوبهم خوفا من أي تمديد آخر لحالة الطوارئ الصحية وتواصل غلق الحدود التي سبق الإعلان عنه من 24 دجنبر 2021 إلى 31 يناير 2022، حيث تتصاعد الانتقادات الحادة لها، وتتعالى الأصوات المطالبة بإعادة الحياة إلى المطارات والموانئ، لاستئناف الرحلات من وإلى المغرب.
وذلك بسبب ما يترتب عن هذا الإغلاق من مشاكل عديدة ومتنوعة، سواء بالنسبة للمواطنين العالقين في الخارج، أو لعدد من فئات المجتمع ذات الصلة المباشرة بالقطاع السياحي، باعتبارها الأكثر تضررا من تفشي جائحة “كوفيد -19″، ويتعلق الأمر بالفاعلين السياحيين والأجراء العاملين في الفنادق والمطاعم والنوادي والنقل السياحي ووكالات الأسفار وأرباب كراء السيارات والمرشدين السياحيين والصناع التقليديين، حيث أنهم يعيشون أزمة اقتصادية خانقة، ساهمت في ضياع عشرات المئات من مناصب الشغل وإفلاس عديد المقاولات.
صحيح أن الحكومة في شخص فاطمة الزهراء عمور وزيرة السياحة والصناعة التقليدية والاقتصاد الاجتماعي والتضامني، سارعت في 14 يناير 2022 إلى إطلاق مخطط استعجالي لدعم القطاع السياحي بقيمة مالية بلغت ملياري درهم، لمواجهة تداعيات الفيروس التاجي، وإعطاء القطاع شحنة قوية في ضمان تمديد أعمار الشركات والمحافظة على مناصب الشغل. غير أنه وعلى الرغم من هذه الخطوة المتميزة، فإنها تظل دون مستوى الحد من حجم المعاناة وفداحة الأضرار المتلاحقة بالقطاع السياحي وكافة المتدخلين والعاملين به على مدى حوالي سنتين…
فما لم يعد يقبل به المواطنون عامة والمتضررون منهم خاصة، هو أن يتواصل تبادل الاتهامات وتقاذف المسؤوليات بين الحكومة واللجنة العلمية والتقنية للتلقيح ضد جائحة فيروس كورونا المستجد، مما أدى إلى اتساع دائرة القلق وانتشار الشائعات وفقدان الثقة في المؤسسات.
إذ في الوقت الذي صرح فيه وزير الصحة والحماية الاجتماعية خالد آيت الطالب، بأن اللجنة العلمية ليس من اختصاصها ولا من شأنها إصدار المعطيات حول القرارات المتعلقة بقطاعات أخرى، من قبيل فتح الحدود أو الملاعب الرياضية أو غيرها من الفضاءات العمومية، مشددا في أكثر من مناسبة على أن مهام اللجنة تنحصر بالأساس في ما هو تقني، من خلال إطلاع الحكومة على خطورة المتحور الجديد والوضع الوبائي العام في مختلف ربوع المملكة المغربية وباقي أنحاء العالم، لأنها مكلفة فقط بتقديم التوصيات وغير معنية بالتقرير في مسألة فتح الحدود، مادامت هناك لجنة وزارية هي التي يمكنها أن تقرر تاريخ فتح الحدود من عدمه.
نجد أن رئيس الحكومة وحزب التجمع الوطني للأحرار عزيز أخنوش، يصر على انتظار رأي اللجنة العلمية والتقنية، معربا عن تفاؤله بقرب فتح الحدود واستئناف الرحلات الجوية، ومؤكدا على أن هذا الموضوع مطروح على طاولة حكومته، التي ستعجل بدراسته ومناقشة مختلف جوانبه من أجل العمل على تحقيق انفراج واسع في القطاعات المتضررة، وأن قرار الفتح يبقى رهينا برأي اللجنة العلمية والتقنية لتدبير جائحة كورونا، والحكومة ملزمة بتطبيقه دون أدنى تلكؤ أو تملص من المسؤولية.
وفضلا عما أعرب عنه الدكتور معاذ المرابط منسق المركز الوطني لعمليات الطوارئ العامة بوزارة الصحة والحماية الاجتماعية، من كون المغرب قد يكون بلغ ذروة الإصابات بالعدوى خلال الفترة الممتدة من 17 إلى 23 يناير الجاري، مؤكدا على أن المتحور “أوميكرون” أقل خطورة…
ها هو البروفيسور عز الدين الإبراهيمي مدير مختبر البيوتكنولوجيا الطبية بكلية الطب والصيدلة بالرباط وعضو اللجنة العلمية، يقر بأنه ومهما كانت توصيات اللجنة مهمة، يبقى القرار النهائي بيد مدبري الأمر العمومي ويرتبط بحجم المسؤولية والكلفة السياسية. غير أنه يرى لزاما عليه من باب الواجب ومصلحة الوطن والمواطن الإدلاء برأيه الشخصي في موضوع الحدود وإعادة فتحها، مبرزا أن هناك أسبابا علمية وجيهة تدعو إلى رفع القيود عن الحدود مع العمل على تعزيز الإجراءات الاحترازية والوقائية، مادامت المعطيات المتوفرة تثبت أن متحور “أوميكرون” السريع الانتشار الذي كان سببا في اتخاذ السلطات قرار الإغلاق، لا يفضي سوى إلى إصابات محدودة الخطورة مقارنة مع السلالات السابقة، مع انخفاض في مدة مكوث المصابين بالمستشفى.
وزاد بأن أوضح أنه في ظل المؤشرات الإيجابية المتوافرة لم يعد من مبرر علمي معقول للاستمرار في إغلاق الحدود، بعد أن اتضحت الرؤية من خلال بلد منشأ المتحور “أوميكرون” جنوب إفريقيا وجل مناطق العالم التي امتد إليها، وبدا جليا أنه مقرون بالإصابة وليس بالإنعاش، كما لم يعد هناك داع لدخول وافدين إلى المغرب بنفس الشروط الصحية السابقة، مادام لا يشكل خطرا وبائيا أكبر مما هو عليه الوضع، وإلا ما كان لكثير من بلدان العالم أن تقدم على إعادة فتح أجوائها من جديد…
إننا إذ نهنئ أنفسنا بأن حبا الله بلادنا بملك حكيم ورصين وذي رؤية استشرافية مستقبلية ثاقبة، ونثمن عاليا المجهود الوطني الجبار الذي تقوم به السلطات العمومية بتعليماته السامية في مواجهة الأزمة الصحية الخانقة، حفاظا على صحة وسلامة المواطنين، فإننا ندعو إلى تفادي ما يشوب هذا المجهود أحيانا من تردد وارتجال وتضارب الآراء وتلكؤ في اتخاذ القرارات الجريئة، التي من شأنها الإسهام في انفراج الأزمة…
إسماعيل الحلوتي