إن المقاربة السوسيولوجيا للواقع الاجتماعي أمست تفرض ذاتها على كل باحث أو عالم اجتماع. فالرغبة في فهم الواقع الاجتماعي، لا يمكن أن تتحقق إلا من خلال ممارسة النقد السوسيولوجي لهذا الوضع، الذي أصبح يندر بمستقبل خطير تعج فيه الجريمة بأشكالها، وتنتعش فيه كل السلوكات الوحشية.
لقد أمسينا نعيش في مجتمع متناقض ومعوج، يعيش فيه الجاهل سيدا، ويموت فيه العالم مظلوما. مجتمع أصبحت تنتعش فيه جمعيات، ومنظمات وهمية تتسلق وتتقمص أدوارا اجتماعية، لكن هي في الحقيقة تتستر وبدون قصد على بركان خافت قد يعصف بمستقبل كل القيم الإنسانية، عاجزة (الجمعيات والمنظمات) على تقديم حلول موضوعية لعدة ظواهر اجتماعية.
إن واقعنا الحالي يجعلنا نهيئ الصيحات للتحصر على مستقبل مجتمع يتآكل رويدا رويدا.
لعلك سيدي القارئ تتساءل عن فوهة هذا البركان وطبيعته. لكن ما إن تمر بالقرب من إشارات المرور، أو تعاين بعض الحدائق العمومية حتى يقشعر بدنك، وتحمر عيناك لما تشاهده من ظواهر خطيرة: أطفال وبراعم صغار يعانقون الجدران ويستندون الحجر، ويقتاتون من فتات المقاهي، وقمامات ألازبال.
في اعتقادك أيها الإنسان، أليس من الحمق التنبؤ بمستقبل زاهر لدولة تعج بمثل هذه الظواهر؟ ماذا ننتظر من مجتمع يرمي بمستقبله في قمامات ألازبال غير استنشاق الروائح الكريهة.
هل تعتقد أن أولائك البراعم الصغار الذين لم يخطوا ولو لمرة حجر الدروس سيكون لهم مستقبل له شأن علمي زاهر؟
إننا نصنع مجتمعا من السفاحين والمجرمين. ومن غير المنطقي أن نحاسب من كان ينام ليلاً مفترشا الأرض ومغطى بالسماء. إن أكبر جريمة في تاريخ الإنسانية هي اعتبار الإصلاحيات والسجون آليات لإدماج الأطفال. فلا يحق للمجتمع يرمي بمستقبله في الشارع أن يلوم سواد حياته المستقبلية.
من بين اكبر المغالطات هي تلك التي تصف تلك البراعم والمراهقين بأطفال الشوارع، هل يعقل أن يكون للشارع أطفال؟ ربما كان رحيما بهم من حضن العائلة.
صحيح أن هناك أطفال في وضعية الشارع، لكن الجماد لا ينجب عقولا ولا قلوبا. الجماد يمتاز بالثبات وفي ثباته عبرة طبيعية رحيمة.
إن الحوار العاطفي القريب مع تلك العينة تحرجك وتجعلك تحتار وتندهش من هذا الواقع. فقد تعترف لك بكل صدق أن ظروف العيش في الشارع أفضل بكثير من العيش داخل مراكز وجمعيات الإيواء… وهنا تطرح أكثر من علامة استفهام حول من يسهر على تلك المؤسسات؟ وطبيعة تكوينه الأكاديمي، وتخصصهم… و.. ؟
إن الحديث اليوم عن الأطفال في وضعية الشارع أصبح أمرا جوهريا مستعجلا، لأننا أمام مستقبل ملغوم بقنابل قد تعصف بمجتمع إنساني برمته، مجتمع يتباهى بالسكون والهدوء والتنمية، لكن يخفي في حقيقته سلوكات فتية ممزوجة بسم قاتل لا يرحم مستقبلا.
بقلم: ذ أحمد بوهمان