«إن الصحراء صحراؤنا…» من نبوءة الحسن الثاني رحمه الله إلى تصويت مجلس الأمن: انتصار الشرعية المغربية

أخبار وطنية

بقلم: أحمد بومهرود باحث في الإعلام و الصناعة الثقافية

في الحادي والثلاثين من أكتوبر سنة 2025، صوّت مجلس الأمن الدولي بالأغلبية لصالح القرار الداعم لمبادرة الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية، معتبرًا إياها الحل الواقعي وذي المصداقية للنزاع حول الصحراء.
وجاء هذا القرار ليُكرّس التحول الدولي نحو الاعتراف بجهود المغرب ومصداقية مقاربته السياسية والإنمائية في أقاليمه الجنوبية.
وبين هذا الحدث التاريخي، وكلمات المغفور له الملك الحسن الثاني طيب الله ثراه يوم السادس من نونبر سنة 1975 بمدينة أكادير حين قال: «إن الصحراء صحراؤنا،لم نغتصبها اغتصابًا، ولم نستلبها استلابًا»
يمتدّ خيط متين من الاستمرارية بين الرؤية التاريخية والشرعية الدولية، في تأكيد واضح أن ما بدأ كحق تاريخي، أصبح اليوم واقعًا سياسيًا معترفًا به أمميًا.

  • من خطاب أكادير إلى القرار الأممي: استمرارية الرؤية المغربية

لم يكن خطاب الحسن الثاني رحمه الله في أكادير مجرد إعلان عن المسيرة الخضراء، بل كان تجسيدًا لرؤية استراتيجية: أن استرجاع الصحراء لم يكن عملاً عسكريًا أو غزواً، بل عودة طبيعية لأرض مغربية إلى وطنها الأم.
قالها الراحل بثقة القائد المؤمن بعدالة قضيته: «لم نغتصبها اغتصابًا، ولم نستلبها استلابًا»، أي إن المغرب لم ينتزع الصحراء بالقوة، بل استعادها بالمشروعية التاريخية وبالإجماع الشعبي والديني والقبلي الذي يربط سكان الصحراء بالعرش المغربي منذ قرون.
اليوم، وبعد نصف قرن، تأتي الأمم المتحدة لتمنح هذه الرؤية إطارًا قانونيًا وسياسيًا دوليًا، مؤكدة أن مبادرة الحكم الذاتي المغربي تمثل الحل العادل والعملي لإنهاء النزاع المفتعل.

  • الدبلوماسية المغربية: من الدفاع عن الحق إلى ترسيخ الشرعية

طوال العقود الماضية، خاض المغرب معركة مزدوجة: معركة الدبلوماسية الدولية ومعركة التنمية الداخلية.
فعلى المستوى الخارجي، تمكن من بناء شبكة تحالفات واسعة أكدت دعمها لسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية، حيث فتحت أكثر من ثلاثين دولة قنصلياتها في العيون والداخلة، في إشارة رمزية إلى اعترافها الفعلي بمغربية الصحراء.
أما داخليًا، فقد جعل المغرب من الصحراء نموذجًا تنمويًا متقدمًا، عبر مشاريع استراتيجية في الطاقة المتجددة، والبنية التحتية، والتعليم العالي، مما جعل الأقاليم الجنوبية قِبلة للاستثمار الإفريقي والعالمي.
هكذا انتقل المغرب من مرحلة الدفاع إلى مرحلة الترسيخ والتأثير، محققًا ما وصفه الحسن الثاني منذ عقود بأنه “حق مشروع لا يُنتزع”.

  • القرار الأممي: تحوّل في الموقف الدولي

قرار مجلس الأمن الأخير جاء ليُترجم عمليًا قناعة المجتمع الدولي بأن حلّ النزاع لا يمكن أن يتحقق خارج السيادة المغربية.
لقد تراجعت لغة “الاستفتاء” التي كانت تُطرح في التسعينيات، لتحل محلها لغة جديدة قوامها الواقعية السياسية والتوافق.
الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن ، وعلى رأسها الولايات المتحدة وفرنسا والمملكة المتحدة ، أكدت أن مبادرة الحكم الذاتي المغربية تمثل “الإطار الوحيد الجدي والواقعي” لإنهاء النزاع.
أما امتناع بعض الأطراف عن التصويت، فقد عُدّ تعبيرًا عن تراجع الدعم للأطروحة الانفصالية، لا سيما في ظل غياب الجزائر عن الجلسة، وهو ما فسّره محللون بأنه انعزال دبلوماسي متزايد للجبهة الداعمة للانفصال.

  • دلالات القرار: بين الشرعية والتاريخ

يمكن قراءة تصويت مجلس الأمن من ثلاث زوايا مترابطة:

  1. تثبيت شرعية المغرب التاريخية والسياسية: القرار يكرس الاعتراف الدولي بوحدة الأراضي المغربية ويعطي بعدًا قانونيًا لمقولة الحسن الثاني.
  2. نجاح الدبلوماسية الهادئة: المغرب انتصر عبر الحوار والبناء والتنمية، لا عبر السلاح أو الإكراه.
  3. تحول الرؤية الأممية للنزاع: الأمم المتحدة لم تعد تنظر إلى الملف كقضية تصفية استعمار، بل كقضية تتعلق بالحلول الواقعية تحت السيادة المغربية.
  • من أرض الصحراء إلى صحراء التنمية

بعد هذا الانتصار السياسي، يفتح المغرب صفحة جديدة عنوانها التنمية والاندماج.
فالرهان القادم ليس في كسب المعارك الدبلوماسية فقط، بل في تحويل الصحراء إلى نموذج حيّ للجهوية المتقدمة، حيث المواطن هو المحور، والعدالة الاجتماعية هي الأساس.
إن ما قاله الحسن الثاني قبل نصف قرن، يتحقق اليوم ميدانيًا:
«الصحراء صحراؤنا»
ليست شعارًا سياسيًا، بل واقعًا تنمويًا، دبلوماسيًا،
وإنسانيًا يترسخ عامًا بعد عام.

  • خاتمة: من نبوءة التاريخ إلى واقع الشرعية

لقد أثبتت تجربة المغرب في قضية الصحراء أن الحق التاريخي، حين يُصاحبه الصبر والحكمة، يتحول إلى شرعية دولية راسخة.
كلمة الحسن الثاني رحمه الله لم تكن مجرّد جملة بل كانت إعلان مسار أمة.
واليوم، بعد خمسين عامًا، تُثبت قرارات الأمم المتحدة أن المغرب لم يكن يدافع عن أرض فقط، بل عن قيمة العدالة والوفاء للتاريخ.
الصحراء صحراء المغاربة…
لم تُغتصب اغتصابًا، ولم تُستلب استلابًا، بل عادت إلى أهلها، وتوّجت شرعيتها اليوم باعتراف العالم أجمع.

التعاليق (0)

اترك تعليقاً