أكادير مدينة تتجدد… فهل يتجدد وعي بعض المواطنين؟

أكادير والجهات

بقلم: أحمد بومهرود باحث في الإعلام والصناعة الثقافية

في قلب التحولات الكبرى التي تعرفها الحواضر المغربية، تقف مدينة أكادير شاهدًا حيًّا على ما يمكن أن تحققه الرؤية الاستراتيجية حين تلتقي بالإرادة السياسية والتخطيط المستدام. مشاريع كبرى، ميزانيات ضخمة، وأوراش ممتدة من الأحياء الهامشية إلى قلب المدينة، كلها تؤكد أن أكادير اليوم تدخل مرحلة جديدة تتجاوز التجميل السطحي نحو إعادة تعريف العلاقة بين المدينة وساكنتها.

– أوراش تنموية غير مسبوقة… برؤية ملكية سامية

في سياق تنزيل النموذج التنموي الجديد، وبفضل التوجيهات الملكية السامية، انطلقت بمدينة أكادير مشاريع ضخمة لإعادة التهيئة والتحديث، من أبرزها برنامج تهيئة يهدف إلى تأهيل البنية التحتية، توسيع الشبكات الطرقية، وتوفير فضاءات خضراء للساكنة. كما يشمل البرنامج تطوير المنطقة السياحية وتجديد ساحة السلام كمحطة مركزية للتبادل الحضري، بالإضافة إلى إعادة هيكلة ميناء أكادير، بما يتماشى مع طموحات المدينة كقطب اقتصادي وسياحي في الجنوب المغربي.

هذه المشاريع لا تُقاس فقط بميزانياتها أو بحجمها العمراني، بل بما تحمله من وعد حضاري بتحسين جودة الحياة، والانتقال بالمدينة نحو مصاف المدن المستدامة.

– في مقابل التشييد… سلوكيات تقوض الجهود

لكن على الضفة الأخرى من هذا التحول، تظهر ممارسات يومية تقوض هذه المجهودات وتُصيب الصورة المستقبلية بخدوش مؤلمة. إنها الممارسات اللامسؤولة لبعض المواطنين، ممن لا يستوعبون بعد أن المدينة ليست إسمنتًا وحديدًا فقط، بل روحًا جماعية ومسؤولية تشاركية.

من تخريب المقاعد والإنارة إلى اقتلاع النباتات واستغلال المساحات الخضراء في غير ما خُصصت له، تتعدد الصور السلبية التي توحي بأن الرهان الحقيقي لا يكمن فقط في تشييد البنية، بل في بناء الإنسان.

ومن أكثر المظاهر التي تدعو للأسف، قيام بعض الأفراد بقطف الورود والنباتات التي تزين جنبات الطرق، في سلوك يعكس أنانية مفرطة، وافتقادًا لروح الجماعة. كما أن العديد من الآباء والأمهات يتركون أطفالهم يعبثون بالعشب الأخضر، في الحدائق والفضاءات التي صُممت لتكون متنفسًا للجميع، لا ملعبًا يُعرضها للتلف المبكر.

ومن بين الحالات الصادمة التي كشفت هذا الخلل، حادثة تم تسجيلها في ماي 2025، حيث أوقفت المصالح الأمنية شخصًا في عقده الثالث، قام بتشويه عدد من المقاعد الخرسانية الحديثة، بتلطيخها بزيت المحركات المستعمل، في مشهد يجسد لا فقط غياب الوعي، بل تحديًا صارخًا للمصلحة العامة.

ولم تتوقف مظاهر التخريب عند هذا الحد، بل طالت حتى بعض المحطات العصرية الخاصة بخط “الترام باص”، والتي لم تبدأ تشغيلها بعد، حيث عُبث بتجهيزاتها الزجاجية والميكانيكية، ما يطرح علامات استفهام كبرى حول مدى نضج بعض السلوكيات الفردية في الفضاء العام.

ويُضاف إلى ذلك، التخريب المتكرر لبعض المرافق والمنشآت القريبة من الطرق، بسبب بعض الأشخاص تحت تأثير الكحول، في مشاهد تثير الغضب والاستياء، وتُبرز الحاجة إلى تدخل حازم.

– المواطنة ليست شعارًا

إن المواطنة ليست جواز سفر، ولا مجرد إقامة في حي معين، بل هي التزام يومي تجاه المرفق العمومي، وسلوك حضاري يحترم الآخرين ويحمي المشترك. فكم من حديقة تحولت إلى مكب للنفايات؟ وكم من فضاء تم تدميره بعد أيام من افتتاحه؟ إنها أسئلة موجعة، تكشف أن رأس المال الاجتماعي في بعض جوانبه لا يزال هشًا، وأن التنمية لا تكتمل دون مواطِن ناضج وواعٍ بدوره.

– من المسؤول؟

يُخطئ من يحمّل الدولة وحدها مسؤولية الإصلاح. فالتنمية الحقيقية لا تتم عبر الأوراش الإسمنتية فقط، بل عبر ورش تربوي وقيمي متكامل. على المؤسسات التربوية أن تلعب دورًا مركزيًا في غرس حب المدينة والوعي البيئي، وعلى الإعلام أن يساهم في تصحيح السلوكيات، كما يجب على الأسر أن تعي أن التربية لا تنتهي عند عتبة المدرسة.

وفي المقابل، يجب تفعيل العقوبات الرادعة في حق كل من يسيء للمرافق العامة، ليس فقط من باب الزجر، بل من أجل بعث رسالة واضحة مفادها أن المدينة ملك للجميع، ولا تساهل مع من يعبث بجمالها ومقدراتها.

– أكادير… فرصة لاختبار النضج المجتمعي

قد يتساءل البعض عن سبب اختياري لهذا الموضوع، والجواب بكل بساطة أن ما دفعني إليه كان مشهدًا صادمًا عايشته شخصيًا هذا الأسبوع. ففي أحد أيام الصباح، وبينما كنت أمر قرب أحد مداخل الحي المحمدي، رأيت امرأة في مقتبل العمر منهمكة في قطف كميات كبيرة من الأزهار التي تم غرسها حديثًا على جنبات الطريق. لم تكن تكتفي بزهرة أو اثنتين، بل كانت تملأ أكياسًا بما جنته، غير مكترثة بنظرات المارة، وكأنها في بستانها الخاص.

كان المشهد مؤلمًا، لا بسبب الورود وحدها، بل لأن هذا التصرف جسّد أمامي أحد وجوه الخلل العميق الذي نواجهه: غياب الوعي، وانعدام الشعور بالانتماء، وافتقاد ثقافة المشترك.

إنها لحظة جعلتني أوقن أن التحدي الأكبر ليس في تشييد المدن، بل في تشييد الإنسان.

إن أكادير اليوم ليست فقط ورشًا عمرانيًا مفتوحًا، بل مختبر حضاري لاختبار مدى نضجنا كمجتمع. فهل نريد فعلًا أن نعيش في مدينة جميلة؟ إن الجواب لا يأتي عبر التغني بالمنجزات، بل عبر حمايتها، وصونها، وتقدير الجهد الذي بُذل من أجلها.

فالتنمية الحقيقية لا تُبنى بالإسمنت فقط، بل بالعقل، والسلوك، والقلب.

والمدينة الجميلة لا تصنعها الجرافات… بل يصنعها الإنسان.