في مدينة أكادير، حيث تتقاطع مشاريع التحديث الإداري مع دعوات الحكامة الجيدة، تفجرت قضية مثيرة داخل أروقة الجماعة الحضرية، عنوانها عقود وكالات مثيرة للشبهات، وضحيتها إطار أمني رفيع لم يجد من ينصفه، رغم ما تحمله قضيته من دلائل على تلاعب خطير في عقود وكالات.
تعود تفاصيل الملف إلى الشكاية التي وجهها عميد الشرطة الممتاز العياشي بيهمان إلى رئيس المجلس الجماعي لأكادير، بشأن مجموعة من الوثائق التي تم تصحيح إمضائها داخل مصالح الجماعة، والتي تم استغلالها من طرف شبكة لتزوير الجموع العامة داخل المجمع السكني “جيت سكن أثري”.
مرت الأسابيع، وتحول الانتظار إلى شهور، قبل أن يتلقى المعني بالأمر جواباً وصفه بـ “الشكلي وغير القانوني”، مفاده أن الإشهادات الخمسة وعشرون المرفقة بالشكاية لا تتضمن أي منها اسمه، وأن “من يدعي أنه لم يقدم على تصحيح امضائه على الوثيقة التي تخصه ولم يوقعها قط، اللجوء إلى القضاء”. غير أن هذا الجواب، في نظر الإطار الأمني، لم يكن سوى محاولة للهروب من جوهر القضية وهو إن كانت هذه الوثائق مسجلة أم لا، وأنه، من جهة، تملص من الإجابة على وضعية 24 عقد وكالة بلا رقم ترتيبي سنوي أو تحمل نفس الرقم الترتيبي تم الإدلاء بها في الشكاية، وهو خرق صارخ للمقتضيات الإدارية المتعلقة بتصحيح الامضاء. ومن جهة أخرى تجاهل وضعه كمواطن لجأ إلى الإدارة باعتباره ضحية مباشرة لهذه العقود المشبوهة التي ثبت أن بعضها مزور، والتي استُعملت ضده في ملفات قضائية، ولتبرير توقيع عدة أشخاص غرباء ضده في عريضة مزورة تم توجيهها إلى السيد المدير العام للأمن الوطني، وهو ما جعله طرفاً متضرراً قانونياً وأخلاقياً من تبعاتها.
ويقول عميد الشرطة الممتاز الذي سيتقاعد قريبا في هذا السياق إن المنطق الإداري السليم يفرض على الجماعة أن تتعامل مع شكايته بروح المسؤولية والإنصاف، لا أن تكتفي بجواب بارد يُحيل إلى القضاء، وكأنها تتنصل من مسؤوليتها في مراقبة الوثائق التي تصدر عنها وتحمل طابعها الرسمي.
وأكد أن صمت الإدارة عن الإجابة على شكاية حول وثائق مصادق عليها خارج القانون، مؤشر خطير على وجود اختلالات داخلية لا يمكن تجاهلها. ويضيف بنبرة غاضبة:
“حين تصبح الإدارة طرفاً صامتاً أمام وثائق ودلائل دامغة وُلدت في رحم مصالحها، واستُعملت في الإضرار بمواطن، فإنها تتحول من حامية للحق إلى شاهدٍ صامت على الاختلالات”.
إزاء هذا التجاهل، وجّه الضحية شكاية جديدة إلى السيد والي جهة سوس ماسة، عامل عمالة أكادير إداوتنان، مرفقة بجميع المراسلات السابقة والوثائق المشبوهة، موضحاً أن “الجواب الذي انتظره لثلاثة أشهر كان يمكن أن يُحرر في 24 ساعة، وأن التلكؤ الإداري دليل على وجود خطب ما”.
وأشار في شكاية مفصلة إلى أن موقف رئيس الجماعة الذي تجاهل الجواب على وضعية الوكالات المحالة عليه، يتناقض بشكل صارخ مع التوجهات الملكية السامية التي أكدها جلالة الملك محمد السادس في خطابه السامي أمام البرلمان بتاريخ 14 أكتوبر 2016، حين قال: ” […] ومن غير المقبول، أن لا تجيب الإدارة على شكايات وتساؤلات الناس وكأن المواطن لا يساوي شيئا، أو أنه مجرد جزء بسيط من المنظر العام لفضاء الإدارة. فبدون المواطن لن تكون هناك إدارة. ومن حقه أن يتلقى جوابا عن رسائله، وحلولا لمشاكله، المعروضة عليها. وهي ملزمة بأن تفسر الأشياء للناس وأن تبرر قراراتها التي يجب أن تتخذ بناء على القانون […] »
وكشف أن هذه الوثائق المشكوك فيها والتي بلغت عشرات عقود الوكالات والاشهادات وغيرها تم الادلاء بها بشكل ممنهج لتبرير التزوير في القضايا التي تم رفعها الى النيابة العامة طيلة السنوات 2022 و2023 و2024، تخص عقود وكالات تم تمريرها بنفس الأسلوب. وهو ما يوضح حجم الخطورة في هذا الملف ويحذر من أن استمرار هذه الممارسات يشكل خرقاً خطيراً للقانون ويقوض ثقة المواطنين في الإدارة ومصداقية المؤسسات.
كما عبّر عن استيائه من الأبحاث التي وصفها بغير القانونية التي أوصلت إلى هذا الوضعية الخطيرة، والتي سمحت ببقاء عدد من المشتبه فيهم طلقاء، بل وواصل بعضهم نشاطه في كراء الشقق للدعارة داخل الإقامة نفسها وعلى رأسهم كبيرة السماسرة، والتي ما تزال، حسب تعبيره، تنشط بأريحية داخل العمارات 58 و60 و61 دون أن يطالها أي إجراء رادع.
ويضيف المصدر نفسه أن التحقيقات شابتها “مهازل” غير مسبوقة، إذ لم يكتف القائمون عليها بتجاهل التحقق من صحة الوثائق التي ارفقها بشكاياته هو والساكنة، بل قُبلت وكالات أخرى قُدمت لتبرير هذه العقود المشبوهة، رغم أنها هي الأخرى لا تحمل أي أرقام ترتيبية رسمية، بل إن شبكة التزوير أدلت بعقد وكالة أنجزه شخص لنفسه، وعقد آخر يهم منزلا يقع بمدينة أنزكان ولا علاقة له بمدينة أكادير وتم تبريره هو الآخر بعقد لا يحمل أي رقم ترتيبي، في مفارقة تُثير أكثر من علامة استفهام حول مصداقية هذه الأبحاث.
وهكذا أوضح الإطار المذكور أن مجرد إلقاء نظرة أولية على الأبحاث المنجزة كفيل بكشف حجم الاختلالات التي طالت هذا الملف، إذ يَظهر بجلاء أن التزوير المعنوي ثابت في حق العديد من المزورين، حيث جرى تحرير وكالات وإشهادات من طرف أشخاص لا تربطهم أية علاقة قانونية أو مادية بشقق وعمارات المجمع السكني. كما ان متزعم الشبكة أدلى مرة بتسجيل الشركة في اسمه سنة 2014 ثم أدلى بتسجيل الشركة في اسم شخص اخر سنة 2019 دون التدقيق معه حول هذا التناقض الخطير الذي قد يحمل بين طياته احتمال وجود تحايل على المصالح الضريبية خاصة أن الشركة المعنية لا وجود لها بتاتا بالعنوان الوارد في قانونها الاساسي
ورغم كل هذه الخروقات الفادحة، يضيف المعني بأسف، فإن المزورين ظلوا بمنأى عن أي مساءلة، وكأن القانون فقد قدرته على ملاحقة من عبثوا لسنوات باستعمال التزوير واستغلوا ثغرات الإدارة لتحقيق مصالحهم الخاصة و أنه في ظل صمتها و أخذا بجواب السيد رئيس المجلس الجماعي، فإنه وفريق دفاعه سيعملون على إحالة هذه الوكالات والاشهادات على رئاسة النيابة العامة و المؤسسات الأخرى المعنية خاصة الجمعيات الحقوقية لطلب التدقيق في كافة الوثائق التي تم الدلاء بها من طرف عناصر هذه الشبكة في قضايا التزوير التي رفعتها ساكنة المجمع السكني جيت سكن إثري 4.


التعاليق (0)