من جديد، يطفو على السطح جدل حول وكالات التنمية التي يُفترض أن تكون جسورًا لتحقيق الازدهار والتنمية المستدامة في المناطق الهشة.
هذه المرة، نحن أمام كشف صحفي مثير للجدل للصحفي رشيد البلغيتي، الذي أزاح الستار عن أرقام صادمة تتعلق بوكالة تنمية الواحات، التي أنفقت، حسب التقرير، ما يزيد عن 105 مليار درهم، ما يعادل 10500 مليار سنتيم، بين عامي 2012 و2020.
قد يكون الرقم وحده كافيًا لإثارة الكثير من التساؤلات حول كيفية تدبير هذه الأموال الضخمة، ولكن ما يزيد الوضع خطورة هو أن هذه الميزانيات الهائلة لم تترك أثرًا ملموسًا على حياة السكان في مناطق الواحات. ما يعزز هذه التساؤلات هو التحليل الذي يقدمه البلغيتي بأن هذه الوكالة قد تحولت إلى أداة للتوظيف الحزبي والتوسع الانتخابي لصالح حزب معين.
إن الحديث عن مشاريع بمليارات الدراهم يدفعنا إلى التساؤل عن النتائج الفعلية لهذه المشاريع على الأرض، هل تغيرت حياة الناس في الواحات؟ هل تحسنت البنية التحتية؟ هل تم خلق فرص عمل للشباب؟ يبدو أن الإجابة على هذه التساؤلات لا تحتاج إلى تحقيق شامل بقدر ما تحتاج إلى جولة بسيطة في المناطق المستفيدة المفترضة.
المواطنون هناك لا يرون إلا القليل من الآثار التنموية، في حين أن التعيينات الحزبية والاستقطابات السياسية تبدو أكثر وضوحًا.
لا يمكن تجاهل حقيقة أن عزيز أخنوش، الذي شغل منصب وزير الفلاحة طوال تلك الفترة التي شهدت هذه النفقات الضخمة، هو اليوم رئيس للحكومة، مما يزيد من ثقل المساءلة ويعزز المطالبة بفتح تحقيق شامل حول كيفية تدبير هذه الأموال.
هذه الأموال هي ملك للشعب، ومن حق المواطنين أن يعرفوا أين ذهبت وكيف استُخدمت.
إن ما كشفه البلغيتي ليس مجرد رقم، بل هو ناقوس خطر ينذر بتجاوزات قد تكون كارثية إذا لم يتم التصدي لها بجدية، إذا كانت وكالة تنمية الواحات قد فشلت في تحقيق أهدافها التنموية المعلنة، فإن المساءلة يجب أن تكون حتمية، وعلى الجهات المعنية، بما فيها القضاء والهيئات الرقابية، أن تتحرك لفتح تحقيق نزيه وشفاف يكشف عن مصير هذه الأموال.
الحديث عن وكالات التنمية مثل وكالة تنمية الواحات ليس جديدًا، لكن توقيت هذا الكشف قد يثير تساؤلات، في ظل قيادة حزب التجمع الوطني للأحرار للحكومة الحالية، وتزايد التوترات حول كيفية تدبير الأموال العمومية، يبدو أن البلغيتي قد اختار التوقيت المثالي لفتح هذا الملف الحساس.
إذا استمر هذا النهج، فإن الثقة في مثل هذه الوكالات ستتآكل، وسيبقى المواطنون في المناطق الهشة مثل الواحات هم من يدفع الثمن، حيث تستمر حياتهم دون تغيير حقيقي، في حين تُستخدم الموارد العامة لخدمة أهداف ضيقة وأجندات حزبية.
إن ما كشفه الصحفي رشيد البلغيتي حول وكالة تنمية الواحات يجب أن يكون نقطة تحول في النقاش حول دور وكالات التنمية في المغرب.
إذا كان الهدف من هذه الوكالات هو خدمة المواطنين، فإننا أمام إخفاق يجب أن يُحاسب عليه المسؤولون.. أما إذا كانت هذه الوكالات مجرد أدوات للتوظيف السياسي والحزبي، فإن الإصلاح الجذري لا يحتمل التأجيل.
عبدالله بن عيسى