يعتبر الخوارزمي من أوائل علماء الرياضيات، حيث ساهمت أعماله في تقدم كبير للرياضيات في عصره وفي العصور التي تلته. هو كذلك أحد أهم علماء الرياضيات العرب والمسلمين الذين أبدعوا في فرعي الحساب والجبر، حيث قدّم مؤلفاتٍ مشهورة عالميًا إلى الآن. ومن أهم مؤلفاته كتاب “المختصر في حساب الجبر والمقابلة” الذي تُرجم إلى لغات أخرى كاللغة اللاتينية، وعرض فيه أول حل منهجي للمعادلات الذي بفضله استطاعت البشرية حل وتفسير مجموعة من المسائل والمعضلات الرياضية عبر التاريخ. ويرجع له الفضل في وضع النسب المثلثية لحساب المثلثات. ابتكر الخوارزمي علم الجبر وفصَّل فيه باعتباره علما قائما بذاته، وهو العلم الذي ما زال سائدا في عصرنا الحالي وبنفس المصطلح (Algèbre). ومن أبرز اكتشافاته كذلك المعادلات من الدرجة الثانية، والتي طورها بأسلوب هندسي كان الأساس في حل العديد من المعادلات المعقدة الأخرى. وقد شكل هذا الكتاب مرجعا رئيسيا خلال حقبة النهضة الصناعية التي عرفتها أوروبا.
لقب الخوارزمي بأنه أبو الحاسوب لدوره الكبير في الحواسيب، من خلال الخوارزميات. وهو العلم الذي يعمل على حل المسائل المعقدة المختلفة، وما زال يُستخدم في عصرنا الحالي. ولذلك أطلق عليه البعض أبو الكومبيوتر. ومن أجمل ما قاله الخوارزمي عن هذا العلم “الخوارزميات تعلمنا أن كل مشكلة لها حل” وقوله كذلك “الاهتمام بالتفاصيل يصنع الفرق في الرياضيات”، وهي مقولة شكلت تقدما كبيرا في عصرها. ولم يكن الخوارزمي يعتبر الرياضيات نظريات فحسب، بل يربطها بالواقع وهو ما نجده في مقولته الشهيرة “التحديات الرياضية تعلمنا الصبر والإصرار” وقوله كذلك “المهارة في حل المسائل الرياضية تدعم التفكير النقدي”، نضيف كذلك مقولته المتقدمة جدا عن عصره “الرياضيات تظهر لنا أن النظام والتنظيم يجلبان النجاح” و “الالهام في علم الرياضيات يولد الابداع والتقدم” و”التحديات الرياضية تعلمنا أن الفشل ليس نهاية الطريق”. هكذا كان الخوارزمي لا يعتبر الرياضيات علما دقيقا فحسب، بل يمتد تأثيرها إلى طريقة تفكيرنا وسلوكنا في المجتمع.
وقد ساهمت ابتكاراته في الرياضيات في تطورات تكنولوجية كبيرة من الآلة الحاسبة البسيطة إلى الذكاء الاصطناعي المعقد مرورا بالحواسيب. فبعد 8 قرون من أعمال الخوارزمي، سيتمكن الألماني -ويلهيلم شيكارد- من صناعة أول آلة حاسبة سنة 1624 تستطيع القيام بأربع عمليات فقط: زائد-ناقص-الضرب والقسمة. وفي سنة 1642 سيتمكن العالم -بليز باسكال- من صناعة أول آلة حاسبة رقمية وفق مبدأ الحساب “خطوة خطوة”.
وفي حين شهدت الدولة العباسية ترجمة النصوص اليونانية والفارسية وغيرها إلى العربية، ساهم ذلك في نهضة علمية كبرى عرفها العصر الإسلامي، كان لعمل الخوارزمي الكبير في علم الرياضيات أيضًا، تأثير على الرياضيات الأوروبية خلال عصر النهضة، حيث تُرجم كتابه عن الأرقام الهندية إلى اللاتينية في القرن الثاني عشر ثم نُقل إلى أوروبا. ومن هناك تُرجم إلى لغات أوروبية أخرى وأدى إلى تقدمٍ في الرياضيات الأوروبية بحلول القرن السادس عشر.
كانت بلاد المسلمين والعرب مركزًا رئيسيًا للرياضيات في العصور الوسطى. حيث اخترع علماء الرياضيات العرب العديد من الفروع الجديدة للرياضيات خلال هذه الفترة الزمنية، كما أشرنا إلى ذلك بعلوم الجبر والخوارزميات والحساب. كان علماء الرياضيات العرب متقدمين بفارق كبير عن نظرائهم الأوروبيين لنحو أربعة قرون في فترة القرون والوسطى. وكما اخترع الخوارزمي الجبر في القرن التاسع، قدم ابن فرناس مساهمات مبكرة في علم المثلثات، وقدم شرف الدين الطوسي في القرن 13، مساهمات مهمة في علم المثلثات الكروية. ذلك بالإضافة إلى العديد من العظماء الآخرين في مجال الرياضيات مثل أبو كامل، وابن يونس، وعمر الخيام.
إذا كان التطور العلمي والتكنولوجي نتيجة تظافر مجهود بشري عبر الحقب والعصور، فإن العالم الرقمي الذي نعيش أطواره في عصرنا الحالي، يجسد بجلاء هذا المفهوم. فالرقمنة ما كانت لتتطور بهذا الشكل لولا اختراع الخوارزمي لرقم صفر. الحاسوب الذي سمح بظهور العالم الرقمي، لا يشتغل سوى برقم 0 ورقم 1. فبدون رقم 0، لم يكن للعالم أن يصل إلى الثورة الرقمية التي جعلتنا نعيش عصر التحول الرقمي والذكاء الاصطناعي. كما أن علم الخوارزميات الذي يحمل اسم عالِم حقبة العصر الإسلامي، كان وراء تطور البرمجيات التي سهلت أمور حياتنا، وأنتجت لنا التطبيقات التي يستعملها الملايين من الناس في وسائل التواصل الاجتماعي.
الثورة العلمية التي أنجزها الخوارزمي في الجبر والرياضيات خلال القرن التاسع ميلادي، كانت من ابتكاره ولم يسبق لعالم أن تطرق إليها سواء في حقبة العصر اليوناني أو ما قبلها، وظلت قائمة وتُستعمل في عصرنا الحالي. وتكفي الإشارة للمصطلح العربي “الجبر” الذي ابتكره الخوارزمي، وهو نفس المصطلح الذي تستعمله كل اللغات لنعت علم الجبر (Algèbre). نذكر كذلك الخوارزميات التي مكنت العلم من برمجة الحاسوب بعد وفاة الخوارزمي بعشرة قرون، وكانت وراء ظهور الإعلاميات. والخوارزميات مصطلح عربي اشتق منه الغرب مصطلح لوغارتمات (Algorithms) بالإنجليزية، لنعت برمجيات الحاسوب. وقد شكل تعريف الخوارزمي للرياضيات والخوارزميات قاعدة لفهم هذه العلوم ظلت تستعمل في عصرنا الحالي حيث يقول “الرياضيات هي لغة الكون والخوارزميات هي مفتاح فهمها”. ولم يستطع العالَم، بما وصل إليه من تقدم علمي، إنتاج قاعدة تتفوق على ما قاله أول عالم رياضيات.
سعيد الغماز
التعاليق (0)