بقلم: أحمد بومهرود باحث في الإعلام و الصناعة الثقافية
عندما تعجز المشاريع السياسية عن إقناع العالم بعدالة أطروحاتها، وحين تنفد أدوات الضغط التقليدية من مالٍ ودعايةٍ ومرتزقة خطاب، لا يبقى أمامها سوى الانزلاق إلى أخطر الممارسات: استغلال البراءة الإنسانية. هذا بالضبط ما يعيشه اليوم ملف الصحراء، حيث بلغ النظام العسكري الجزائري، عبر واجهته الانفصالية المسماة “جبهة البوليساريو”، مرحلة متقدمة من الإفلاس الأخلاقي، جعلته لا يتردد في توظيف الأطفال داخل معارك سياسية خاسرة.
لقد فطن العالم، دولًا وشعوبًا، إلى خزعبلات الخطاب الانفصالي، وانكشفت هشاشة روايته أمام تنامي الدعم الدولي لمقترح الحكم الذاتي المغربي، بوصفه الحل الواقعي والجاد للنزاع. ومع هذا التحول، وجد رعاة الانفصال أنفسهم في عزلة متزايدة، فكان الخيار الأخير هو الهروب إلى الأمام عبر التلاعب بالطفولة، باعتبارها مادة عاطفية سهلة التوظيف في المجتمعات الغربية.
تحت غطاء “السلام” و”التبادل الثقافي”، جرى الزج بتلاميذ إسبان في برامج موجّهة بعناية، لا تهدف إلى التربية أو الانفتاح، بل إلى صناعة صورة دعائية تخدم أطروحة الانفصال. الأخطر أن هذه البرامج شملت زيارات إلى إدارات سياسية وعسكرية تابعة للبوليساريو، في خرق صارخ لكل المعايير التربوية والأخلاقية، واستغلال فجّ لأطفال لا يملكون القدرة على التمييز بين الرحلة المدرسية والعمل السياسي المؤدلج.
ولا يمكن في هذا السياق إغفال الدور الملتبس لبعض الجمعيات التي تُقدَّم على أنها “مدنية” و”إنسانية”، بينما تُظهر الوقائع تورطها في التلاعب بالتبرعات واستغلالها لضمان استمرارية هياكلها الإدارية والمالية، وتحويلها إلى أدوات ضغط داخلي على الحكومات الأوروبية، خاصة بعد تغيّر الموقف الإسباني الرسمي لصالح الواقعية السياسية.
وفي مقابل هذا التوظيف الدعائي، يستمر الصمت المريب تجاه الانتهاكات الجسيمة التي يتعرض لها المحتجزون في مخيمات تندوف: من تضييق ومنع واعتقال وتعذيب وترهيب، في غياب أي مساءلة حقيقية للجهات المسؤولة. إنها ازدواجية فاضحة في المعايير، حيث تُرفع شعارات حقوق الإنسان حين تخدم أجندة معينة، وتُطوى الملفات حين تصطدم بمصالح سياسية.
- رسالة مفتوحة إلى السلطات الإسبانية وأولياء الأمور
إن ما جرى، ويجري، لا يمكن اعتباره مسألة هامشية أو سوء تقدير عابر. فالسلطات الإسبانية مطالبة اليوم، أكثر من أي وقت مضى، بتحمل مسؤوليتها القانونية والأخلاقية في حماية تلاميذها من أي توظيف سياسي أو أيديولوجي، مهما كان الغطاء الذي يُقدَّم به. المدرسة ليست منصة دعاية، والطفل ليس وسيلة ضغط في نزاع إقليمي معقّد.
كما أن أولياء أمور التلاميذ المعنيين مدعوون إلى طرح الأسئلة الصعبة: إلى أين يُؤخذ أبناؤهم؟ ومن يشرف على هذه الأنشطة؟ ولماذا تُدرج زيارات لمواقع سياسية وعسكرية ضمن برامج يُفترض أنها تربوية؟ إن حماية الأطفال تبدأ بالوعي، وبالرفض الصريح لتحويل براءتهم إلى وقود لمعارك لا تعنيهم ولا يفهمون أبعادها.
- خاتمة
إن استغلال الأطفال لتلميع صورة تنظيم غارق في الفساد والانتهاكات ليس فقط سقوطًا أخلاقيًا، بل دليل واضح على انسداد الأفق السياسي لمشروع انفصالي يعيش على هامش التاريخ. ويبقى السؤال المؤلم: أين جمعيات المجتمع المدني الدولي التي لا تتردد في رفع الصوت في قضايا أقل خطورة؟ أم أن الطفولة، حين لا تخدم السردية المطلوبة، تصبح مجرد تفصيل قابل للتجاهل؟
في النهاية، قد تُجدي الدعاية لبعض الوقت، لكن التاريخ لا يرحم من يعبث بالبراءة، ولا من يصمت عن ذلك.


التعاليق (0)