تعاقب الأجيال واختلافها لم يعد حكرا على البشرية، بل إن تكنولوجيا الهاتف النقال تطورت وأصبح تاريخها يتحدث عن جيل وراء جيل. فبعد الجيل الأول والثاني ثم الثالث، نعيش الآن مع الجيل الرابع ونستعد لدخول الجيل الخامس. فما حكاية أجيال البورتابل؟
الجيل الأول للهاتف النقال: جيل ثمانينيات القرن الماضي
فكرة القيام بالاتصال دون الحاجة للبقاء في نفس المكان، فكرة قديمة تعود لأواخر القرن 19 وخاصة أبحاث الفيزيائي ماركوني مخترع التلغراف اللاسلكي. الفكرة تم تطبيقها في البحرية البريطانية لأغراض مدنية من خلال التلغراف اللاسلكي، ثم لأغراض عسكرية لتأمين الاتصال بين فيالق الجيوش منذ الحرب العالمية الأولى. لكن الهاتف النقال الذي يعكس بحق الاتصال بكل حرية في التنقل، لم يبرز سوى في السنوات الأولى من عقد 80 من القرن العشرين. ولادة أول هاتف نقال متاح للبيع كان في سنة 1985، لكنه في الحقيقة كان هاتفا محمولا أكثر منه هاتفا نقالا، لكونه كان يُستعمل على الخصوص في السيارات.
الجيل 2 للهاتف النقال: جيل تسعينيات القرن الماضي يحقق ثورة في التكنولوجيا
من الناحية الوظيفية، يمكن القول إن البداية الحقيقية للهاتف النقال انطلقت مع الجيل الثاني الذي تميز بهواتف صغيرة الحجم، تساعد على المزيد من الحرية في التنقل. كما أن هذه الخدمة أحدثت على الصعيد العالمي ثورة حقيقية في مجال الاتصالات. ففي ظرف وجيز تضاعف عدد مستعملي النقال على الصعيد العالمي. وبعد اعتماد خدمة الدفع المسبق المعروفة في المغرب بجوال، أصبح هذا المولود الجديد في متناول جميع شرائح المجتمع، وتمكن بشكل غير مسبوق من دخول جميع المنازل واكتساح جميع الطبقات الاجتماعية. الثورة التي أنجزها الجيل الثاني تتوجت في 2002 بتجاوز عدد مشتركي الهاتف النقال في العالم زبائن الهاتف الثابت. شبكة لم تعمر سوى 17 سنة تتفوق على شبكة عمرت أكثر من قرن وربع القرن، إنه التجسيد العملي لثورة الهاتف النقال.
بعد توسع شبكة الجيل الثاني، ظهرت خدمة جديدة تتمثل في تبادل الرسائل القصيرة، وهي الخدمة التي انتشرت بشكل سريع كالنار في الهشيم نظرا لتواضع تكلفتها، ولكونها تسمح بإرسال الرسالة القصيرة حتى عندما يكون الهاتف المطلوب غير مشغل أو خارج التغطية.
الجيل 3 للهاتف النقال: جيل العقد الأول من القرن 21 يُحدث ثورة القرن الثانية في النقال.
الإضافة النوعية التي أتى بها الجيل الثالث منذ انطلاقته في 2002، هي تعميم خدمة الأنترنيت بصبيب معقول على جميع زبائن الشبكة عبر اشتراك خاص في الأنترنيت، إلى جانب اشتراكهم الأصلي الذي يتيح لهم خدمات المكالمات والرسائل القصيرة.
الخدمات الجديدة وخاصة ولوج الأنترنيت، جعلت الجيل الثالث يحدث ثورة ثانية في عالم المحمول. فقد زاد الإقبال على الاشتراك في شبكة النقال بشكل فاق كل التوقعات. فبعد 8 سنوات فقط على انطلاق الجيل الثالث بلغ عدد مستعملي النقال في العالم، أكثر من ملياري مشترك. إنها ثورة عالمية بكل المقاييس.
الجيل 4 للهاتف النقال: جيل العقد الثاني من القرن 21
شبكة النقال من الجيل الرابع لم تطرح إضافة نوعية في السوق اللهم سرعة أفضل للإبحار في الأنترنيت. لذلك استقر هذا الجيل الرابع في ذهننا دون أن نشعر به، عكس الجيل الثالث الذي كان حديث كل لسان وبكل اللغات. تحميل فيلم قصير كان يتطلب 7 أيام في شبكة الجيل 2 ، وأصبح لا يتطلب سوى بضعة دقائق بالنسبة للجيل 4. هكذا يمكننا فهم صراع الأجيال في عالم النقال. صراع قائم على السرعة والصبيب العالي.
الجيل 5 بإمكانه طرح صبيب يصل إلى 10 أضعاف صبيب الجيل 4.
بخطوات بطيئة يستقر الجيل الخامس في عالمنا. قد يتطلب الأمر وقتا كبيرا لتعميمه، لكن ذلك لن يمنعه من إحداث ثورة جديدة أكبر وأعظم مما قام به الجيل الثالث. وتكفي الإشارة إلى مفهوم جديد سينطلق مع خدمة G5 اسمه “كل شيء متصل” (Tout Connecté) وأنترنيت الأشياء (Internet des objets).
إنها عناوين الثورة الجديدة التي سيكون بطلها الجيل 5. ولن تكون ثورة تمكننا من سرعة في الأنترنيت تفوق كل الانتظارات، بل ستفتح الباب أمام عالم جديد مبني على ذكاء اصطناعي لا يحده سوى قدرة العقل البشري على الاختراع والابتكار.
سعيد الغماز